..ولكنها تدور

01:48 صباحا
قراءة دقيقتين
بالرغم من أن هذا العنوان أصبح مقترناً بغاليليو الذي حاول أن ينجو بجلده من نيران محاكم التفتيش إلا أنه صالح لأشياء أخرى غير كروية الأرض ودورانها، ففي الثقافة والسياسة على السواء هناك من ينفقون الكثير من الوقت والجهد ليقولوا لنا في نهاية المطاف.. ولكنها تدور، لكن لا أحد يسمعهم، تماماً كما أن غاليليو لم يسمعه أحد عندما همس لنفسه بتلك العبارة على سبيل الاستدراك الفنان الذي يتحدث بإسهاب عن الانحطاط والتبذل الذي تفشى في العقدين الأخيرين يستثنى نفسه حتى لو كان أحد المساهمين في الانحطاط، والسياسي الذي يشكو من تفتيت الوطن العربي ويبكي على أطلال الماضي قد يكون أيضاً ممن ساهموا في تعميق خطوط الاختلاف بحيث يصبح خلافاً بائناً وأشبه بالطلاق، والمثقف الذي يزم شفتيه ويرفع حاجبيه استهجاناً لما تتعرض له الثقافة من تسطيح واختراقات قد يكون ممن أوصلوا الثقافة إلى هذا الحد، إنها الازدواجية القديمة والجديدة، مادام هناك كلام في الليل وآخر في النهار.
ونادراً ما نسمع من يقول لنا إن الأرض كروية وتدور بأعلى صوته رغم أن محاكم التفتيش لم تعد قائمة إلا في جحور التطرف والإرهاب بعيداً عن ضوء الشمس.
وقد أدت هذه الازدواجية إلى تأزيم الثقة بين المرسل والمرسل إليه، وربما لهذا السبب قال أسلافنا العرب إن الصمت من ذهب والكلام من فضة، فالإنسان كما يقول رسول حمزاتوف في مذكراته يتكلم في سن الثالثة لكنه لا يتقن الصمت إلا بعد الستين، أو ما عبر عنه الصوفي «النفري حين قال: كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة، إن العبارات الآن أوسع من قارة والرؤى أضيق من ثقب إبرة ومن يقيسون منسوب الإبداع في الثقافة والفن والعلوم أيضاً بالكم وليس بالنوع لا يعرفون الفارق بين ميزان الماس وميزان البصل. ومن صميم ثقافتنا وموروثنا أن هناك رجلاً يعادل ألف رجل وقصيدة يتيمة تعادل طناً من الورق الأسمر. لهذا قال ناقد إنجليزي عن الرواية الوحيدة التي كتبها لابيدوزا بعنوان النهد إنها أعادت إلى كلمة الإنجاز اعتبارها ودلالتها الواقعية.

منصور

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"