“الأتكة” موطن صناعة السفن وصيانتها

00:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
القاهرة - "الخليج":
تضرب صناعة مراكب الصيد في مدينة السويس بجذورها في عمق التاريخ المصري القديم، إذ تعد واحدة من أقدم الصناعات اليدوية، التي يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني وما تلاه من عصور يونانية ورومانية، وحتى الفتح الإسلامي لمصر .
ويعد ميناء "الأتكة" على بعد عشرين كيلومتراً من مدينة السويس في المنطقة الواقعة بين المدينة القديمة وجبل عتاقة، أحد أكبر مراكز صناعة المراكب في مصر .
ويطلق السوايسة من أبناء المدينة لقب "قذق" على ذلك المكان الذي تصنع فيه المراكب وتبنى فيه سفن الصيد الكبيرة، ويتم إجراء أعمال الصيانة الدورية اللازمة لها ما جعل منطقة "قذق" مقصداً لتجار السفن من كل مكان في مصر والدول العربية والإفريقية، مثل ليبيا والسعودية وجيبوتي .
في هذا الموقع المميز والجذاب بين البحر والجبل تتجاور الورش الصغيرة المخصصة لصناعة المراكب، حيث تمتزج رائحة البحر المميزة مع رائحة الخشب والدهانات الخاصة بالسفن، التي يعكف عليها نجارون ونقاشون حيث كل شيء في تلك الورش لا يزال يدوياً إلى حد كبير، بداية من تقطيع الخشب وحتى الدهانات، وإن كانت الماكينات الحديثة ساعدت كثيراً في إنجاز المطلوب في وقت قياسي .
وتبدأ خطوات صناعة المراكب في منطقة "قذق" بالسويس من أعواد الخشب المتراصة جنباً إلى جنب على جانبي جسد المركب الذي يشبه الهيكل العظمي للإنسان في مراحله الأولى، قبل دخول المركب إلى المرحلة التالية التي يتم فيها كساء أعواد الخشب بألواح خشبية تطلى على أيدي عمال محترفين وباستخدام "بويات" خاصة .
وتحمل كل مركب يتم تنفيذها اسماً دالاً على الورشة التي قامت بتعميمها وبنائها وطلائها، حيث يتبارى كل مصمم على إظهار لمسته الفنية الخاصة به، حتى تكاد المركب تتحول إلى لوحة فنية جميلة تتحدث عن الفنان الذي شيدها، رغم أن كثيرين من أصحاب تلك الورش لم يدخلوا المدارس أو حتى معاهد لتصميم السفن، فالألوان المستخدمة في طلاء المراكب والرسومات التي ترسم عليها كلها مستوحاة من الثقافة السواحلية التي تتأثر إلى حد كبير بالبحر وألوان السمك الشهيرة .
وتستغرق صناعة سفينة الصيد في "قذق" السويس ما بين سنة وسنتين، لكنها ربما تنجز في ثمانية شهور إذا كانت أموال المشتري حاضرة، وتستوعب صناعة السفن قطاعاً كبيراً من العاملين في محافظة السويس، كما يفد إليها العمال من محافظات أخرى، ويتحدث الريس محمد شطا صاحب ورشة في "قذق" عن صناعة المراكب باعتبارها صناعة رائجة، مشيراً إلى أن مصر تعد من الدول الرائدة فيها رغم كونها صناعة مكلفة وتستغرق الكثير من الوقت ويعمل بها عدد كبير من العمال .
ويقول الريس شطا: "نقوم بتصنيع المراكب التي يستخدمها الصيادون، ونقوم بتجهيزها بالمعدات اللازمة"، وأيضاً المراكب السياحية التي يطلبها أصحاب القرى السياحية في شرم الشيخ والغردقة والمدن السياحية الأخرى، كما تقوم بعض الورش الصغيرة بصناعة "الفلايك" التي يستخدمها صغار الصيادين، ويضيف: "لكل إنسان مقدرته، فهناك من يشتري السفن الكبيرة، وهناك من يشترون الفلايك الصغيرة" .
وتعد السفن الحديدية بالطبع الأفضل من حيث العمر الافتراضي الذي يكون أطول بكثير من السفن الخشبية التي لا يزيد عمرها الافتراضي على 15 عاماً، لكن السفن تحتاج بصفة عامة إلى صيانة دورية كل عامين للسفن الحديدية، ومرتين في العام للسفن الخشبية .
ويستخدم نجارو المراكب في السويس شجر التوت في صناعة المراكب الخشبية، بخاصة في منطقة الهيكل، أما الخشب الخارجي فيكون غالباً مستورداً مثل الخشب السويدي أو الأرو .
وتتكون سفينة الصيد الكبيرة من كابينتين وغرفة للقبطان، وعنبر البحرية وآخر للحبال، وغرفة للمحركات في الخلف، فيما يوجد الصالون الخاص بالمركب في الأمام إلى جانب ثلاجة وونش للرفع .
وتستغرق رحلة مركب الصيد الكبيرة عادة ما بين شهور وأسابيع، حيث يعتمد طول الرحلة أو قصرها على كمية الأسماك التي يتم اصطيادها، أما المركب السياحية فتكون رحلتها من خمسة إلى 15 يوماً .
ولصناعة المراكب في مدينة السويس تاريخ كبير يمتد لآلاف السنين كما يشير الباحث مصطفى حراجي، الذي يقول: "كانت منطقة "الشلوفة" بالسويس أحد أهم مراكز صناعة السفن بالعصر الفرعوني، كما كانت "جزيرة تل اليهودية" أحد مراكز هذه الصناعة في العصر الأموي كما جاء ببردية "شاقو"، وفي التاريخ الحديث نشأت أولى ترسانات مصر البحرية في هذه المنطقة في عهد محمد علي باشا" .
ولما كانت السويس تتربع على أهم الطرق الملاحية العالمية، أنشئ بها الحوض الجاف في عهد الخديوي إسماعيل لإصلاح السفن، ويضيف حراجي: "نظراً لأهمية هذا النشاط الصناعي قامت الحكومة المصرية في عهد الملك فؤاد الأول بإنشاء مدرسة للصناعات البحرية لإصلاح وبناء السفن ببور توفيق، لتكون أحد المعالم المهمة للنشاط البشري في المحافظة، وبعد إعادة افتتاح قناة السويس في العام ،1975 أصبحت سفن كثيرة تتردد على الحوض الجاف الذي لم يكن ليستوعب هذا العدد الكبير لإصلاح السفن بعد أن تم تزويد الميناء بحوض عائم بالإضافة إلى "قذق" لإصلاح السفن خلف قرية الحجاج وآخر في ميناء "الأتكة" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"