ليس هناك من مستحيل إذا ما أراد الإنسان النجاح، وليس من عقبة يمكنها الوقوف بوجه الإرادة، ومهما تبدى أن الحلم صعب التحقيق سرعان ما يزول هذا الاعتقاد بمجرد المحاولة، كل ما يجب توافره هو العزيمة والإصرار وهذا ما امتلكته عازفة البيانو الإماراتية إيمان الهاشمي فكان النجاح حليفها وحققت ما لم يستطع غيرها تحقيقه، وتمكنت بفضل اصرارها من الوصول إلى ما اعتقد كثيرون أنه لا يمكن الوصول إليه .
درست الهاشمي إدارة الموارد البشرية وهي تعمل اليوم في هيئة تنظيم الاتصالات في أبوظبي، عشقت البيانو، حاورته، تراقصت أصابعها فوق مفاتيحه، فأبدعت وأطربت، ومعها كان الحوار التالي:
حبذا لو تحدثيننا عن بداياتك في عالم العزف؟
- في حين كان أقراني في الصغر متعلقين بالألعاب المعروفة وبرامج التلفاز شغلتني هواية أخرى، فقد أحببت الاستماع للموسيقا وكانت الأصوات بمختلف أنواعها تجذبني، كانت تستهويني الآلات الموسيقية بشتى أنواعها ولم أكن أعرف بعد أسماءها فكنت أطلق عليها اسم دندن ثم حصلت على أول أورغ صغير لي وقد كان بالنسبة لي شيئاً كبيراً، وبدأت أتعلم عليه وكنت أعزف حينها باستعمال يد واحدة، وحاولت عزف المقطوعات التي كنت أسمعها في برامج الرسوم المتحركة للأطفال كتوم وجيري، حتى إني أعجبت كثيراً بتوم عندما كان يعزف لبتهوفن وموزارت، وقد كان تدريبي حينها كله سماعياً، وبعد مدة من الزمن قمت بتطوير مهاراتي فرحت أدرب يدي اليسار على العزف، كي يتمرن مخي على طريقة استخدام اليدين في العزف .
وكيف انتقلت إلى عزف البيانو؟
- بعد مدة من الزمن اشتريت أورغ احترافياً وبدأت في التدرب عليه بشكل أكثر جدية، وذلك من خلال قراءة الكتب المتخصصة في هذا المجال ومن خلال مقاطع الفيديو التي كنت أشاهدها على المواقع الإلكترونية كاليوتيوب، في تلك المرحلة اكتسبت مهارة الاستماع فصرت أميز بين الألحان وأنواعها ومقاماتها، وبعدها قمت بشراء آلة بيانو حقيقية وفرحت بها فرحاً عظيماً وقررت الاستمرار في التعلم حتى أصل إلى مرحلة الاحتراف .
كم ساعة كنت تقضينها في التدريب يومياً؟
- كنت أتدرب قرابة أربع ساعات يومياً، لكنها لم تكن بشكل متواصل بل بشكل متقطع، فكنت آخذ فترات استراحة بين الحين والآخر .
وماذا كان موقف الأهل، ألم يعارضوا هذا الاهتمام الشديد بالعزف؟
- لقد شجعني أهلي كثيراً إذ لم يجدوا أن العزف يؤثر في مستواي الدراسي، فالبرغم من الساعات الطويلة التي كنت أقضيها في التدرب على العزف، حافظت على تفوقي الدراسي وكنت أحقق أعلى المعدلات .
ومتى كان أول ظهور علني لك أمام الجمهور؟
- كان ذلك في سنة 2001 وقد كان لهذا الظهور قصة، ففي تلك السنة سافر المغفور له الشيخ زايد رحمه الله للعلاج في الخارج، وبعد فترة عاد بحمد الله، فقررت أن أهديه لحناً من ألحاني، وذلك لما حملته في قلبي من حب للشيخ زايد رحمه الله، فقمت بزيارة المجمع الثقافي والتقيت أحمد السويدي المدير العام للمجمع، وأخبرته بأني أريد أن أقدم معزوفة من تأليفي لأهديها للشيخ زايد رحمه الله، فطلب مني أن أعزف له مقطوعة ليتأكد من إمكانياتي، فأعجبه عزفي كثيراً وبالفعل أقام حفلة على شرفي بحضور الرابطة الفرنسية في أبوظبي، وقد نال عزفي حينها إعجاب الجمهور .
يصعب على العازفين المحترفين تأليف المقطوعات الموسيقية فكيف تمكنت من ذلك؟
- كما قلت لك فإن تعلمي كان بالطريقة السماعية، أي أسمع الموسيقا وأراقب حركات أصابع العازفين وأحاول تقليدهم، هذا الشيء جعلني أكثر احساساً باللحن فكنت أخرج عن النص كثيراً، وأعزف بإحساسي وهكذا كانت تخرج معي مقطوعات عديدة أسجلها وأحفظها .
من المعروف أن عازف البيانو يجب أن يعرف قراءة النوتة فكيف تعلمت هذه المسألة؟
بالفعل التقيت هدى كانو وأخبرتني بأني يجب أن أتعلم قراءة النوتة، حاولت أن أتعلمها لكن هذا الشيء تضارب مع وقت دراستي ومن بعدها أوقات العمل فكان من الصعب علي أن أتعلم في معهد مختص، فبدأت التعلم من خلال الإنترنت واشتريت لنفسي كتباً وأقراصاً مدمجة لتعليم قراءة النوتة، وتمكنت بهذه الطريقة من قراءة النوتة، وقد تحسن عزفي بعدها بشكل كبير، وهنا لا أنسى أن أذكر أن هدى كانو قد ساعدتني على أن أمثل دولة الإمارات كأول عازفة إماراتية في يوم الموسيقا العالمي في المجمع الثقافي وكنت يومها الممثل الوحيد للدولة في يوم الموسيقا العالمي .
من هم المؤلفون الموسيقيون الذين تحبين أن تعزفي لهم؟
- أحب أن أعزف لشوبان ولبتهوفن وموتزارت ولغيرهم من العازفين المشهورين، واستطعت أن أقرأ مؤلفاتهم البسيطة، أما بالنسبة للموسيقيين الحاليين فأحب أن أعزف لياني وريتشارد كلايدرمان، أما من العالم العربي فهناك الأخوان رحباني .
كيف كان الالتحاق بمركز البيانو التابع لوزارة الثقافة؟
- كان عندما ذهبت لوزارة الثقافة أحمل ديواني الشعري في لحظة سهو المؤلف من 300 قصيدة باللغة العربية الفصحى، كي يساعدوني هناك على نشره، طلبوا مني مقابلة الدكتور حبيب غلوم وبالفعل قابلته، وأخبرته بأني أريد أن أنشر ديواني، أعجب كثيراً بموهبتي وأخبرته بعدها بأني أحب الرسم ولي عدد من اللوحات، كما أني أعزف على آلة البيانو وطلبت منه أن يساعدني على تحسين مستواي في مجال العزف، فأرسلني إلى مارتن وهو أستاذ البيانو في المركز، كما أرشدني عبد الله العامري إلى بيت العود، حيث يعلمون الصولفيج، وتعرفت هناك إلى عازفة العود شيرين تهامي وعازف العود الإماراتي، فيصل الساري، ومدرسة البيانو جوليا، وقد تعجبوا من قدرتي على عزف مقطوعة ضوء القمر لبيتهوفن بدون نوتة، فأخبرتهم بأني تعلمت عزفها من خلال مشاهدة العازفين على موقع اليوتيوب ومراقبة حركات أصابعهم، وقد عرفتني شيرين تهامي بعازف العود المتألق والغني عن التعريف نصير شمه الذي بالفعل أتاح لي الفرصة التي لطالما انتظرتها بأن أشارك في العزف المنفرد مع كبار العازفين الأتراك، كما التحقت خلال الفترة نفسها بالمعهد العالمي للموسيقا وهكذا أصبحت أدرس في ثلاثة أماكن، قراءة أصول النوتة في معهد الموسيقا العالمي، وحركات الأصابع ووضعيات العزف الصحيحة في بيت العود، وعزف المقطوعات الصعبة في مركز البيانو .
في إحدى حفلات بيت العود قدمت مقطوعة موسيقة من تأليفك، حدثينا عنها؟
- اسم تلك المقطوعة النجاح، وقد ألفتها هدية لأخي أحمد عندما أخذ شهادة الدكتوراه، وقدمتها له يوم تخرجه، فلم أجد أجمل منها هدية، وكيف لا يفرح بها وهي مقطوعة ألفت وعزفت خصوصاً من أجله، ففي كثير من الأحيان تكون الهدايا المعنوية ذات دلالة أكبر وذات وقع أحلى من الهدايا التي يمكن شراؤها بالمال .
ألم تفكري في اصدار ألبوم يجمع مؤلفاتك؟
- فكرت في هذا الأمر وقمت بالفعل بتسجيل مقطوعاتي الخاصة على قرص مدمج ولم أستطع نشرها على مواقع الإنترنت مخافة أن تسرق بينما كنت أنشر المقاطع التي أعزفها لعدد من المؤلفين دونما خوف، وقد اتصلت بوزارة الاقتصاد وأخبرتهم بأني أريد أن أسجل مؤلفاتي الموسيقية باسمي لحفظ الملكية الفكرية، ولكنني قررت أن أتريث قليلاً في هذه الخطوة، ريثما أعرضها على أناس مختصين كي أستفيد من آرائهم القيمة في الموضوع ومن خبرتهم الواسعة في مجال الموسيقا .
ما الرسالة التي تريدين توجيهها من خلال العزف الذي تقدمينه؟
- أريد أن أخبر العالم بأن الشعب الإماراتي أصيل متمسك بالعادات والتقاليد والقيم والأعراف وهو فوق هذا ذواق لجميع أنواع الفنون، محب لها، وبأنني وباقي الإماراتيين نعتز بتراثنا لكن هذا الاعتزاز لا يمنعنا من مواكبة العصر .