عادي
“جامعة أريزونا” تتبنى المشروع بعد فشل المحاولات

إحياء “بيوسفير 2” لاكتشاف علوم الأرض

02:19 صباحا
قراءة 5 دقائق

مشروع بيوسفير2 تم بناؤه في 1991 ليكون نموذجاً علمياً للعيش داخل منشأة محكمة الإغلاق بشكل كامل، ويستطيع القاطنون داخلها إنتاج مواردهم من الغذاء والمياه والأكسجين بعيداً عن أي مساعدة من العالم الخارجي، وكان الهدف الأكبر منه إنشاء نماذج مماثلة على سطح المريخ، ولكن للأسف لم تنجح تجربة بيوسفير2 وباءت بالفشل .

مجلة نيوساينتيت العلمية البريطانية تعيدنا بالذاكرة لسنوات بناء هذه المنشأة، وكيف استطاع قاطنوها الثمانية محاولة التأقلم مع الظروف الصعبة التي واجهتهم، ومدى استطاعتهم توفير الغذاء والأكسجين الذي يكفيهم، وكيف باءت محاولتهم بالفشل، والمحاولات المستمرة بعد ذلك لإنجاح المشروع من الجامعات الأمريكية المختلفة وأخرها جامعة أريزونا التي استأجرت المكان وتحاول من خلاله إجراء التجارب العلمية لاكتشاف علوم الأرض .

بيوسفير 2 محاولة مذهلة قام بها الملياردير الأمريكي إيد باس لبناء مكان صحي شبيه بالبيئة الموجودة على سطح الأرض، وقد تم بناء المنشأة من قبب زجاجية محكمة الإغلاق عند قاعدة جبال سانتا كاتالينا شمال مدينة توسون في صحراء ولاية أريزونا الأمريكية عام،1991 والهدف منها إثبات أن الإنسان يمكنه أن يعيش حياة كاملة داخل بيئة محكمة الإغلاق في وجود القليل من ضوء الشمس، وتم إحكام إغلاق المنشأة على مجموعة مكونة من ثمانية أشخاص 4 سيدات و4 رجال، وكان مطلوباً من هؤلاء الثمانية أن يعيشوا بشكل طبيعي داخلها، وأن يأكلوا من النباتات التي يزرعونها داخلها، ويشربون مياه معالجة، ويتنفسون الأكسجين الذي يخرجه النبات، وكان ذلك يعني توفير نموذج أشبه بالعيش داخل مركبة فضاء أو إنشاء مستعمرة على كواكب أخرى، كما كان الهدف منها أيضاً اكتشاف المزيد من أسرار الكوكب الذي نعيش عليه .

وكانت الخطة الطموح لإنشاء بيوسفير2 تتضمن وجود غابات مطيرة بداخلها وأشجار مثل المانغروف والسافانا وصحراء ومحيط بداخله بعض الشعب المرجانية وأمواج صناعية، ومكان كبير لزراعة أنواع مختلفة من النباتات مع مزرعة مجهزة بماكينات لدرس الحنطة، كما تحتوي أيضاً على مجموعة من الأنابيب والمخارج وخزانات المياه وأحواض فارغة ضخمة تستخدم لمعالجة مخلفات السكان الموجودين داخلها، وبعض هذه الأنابيب هو عبارة عن نظام تبريد، ولجعل الصوبات الزجاجية المحكمة الإغلاق باردة في الصحراء تطلب الأمر إمدادها بكمية هائلة من الطاقة، ولذلك لا يمكن القول بأن بيوسفير 2 كان يمكنها الاعتماد المطلق على ذاتها، بسبب استخدامها للكهرباء بشكل مستمر .

والمبنى يعد إنجاز هندسي فذ، لكن التصميم الفوري والبناء تطلب تعديلات مكلفة للغاية، فالميزانية الرئيسية للمشروع كان محدد لها 30 مليون دولار ولكنها وصلت إلى 250 مليون دولار .

وعندما أغلقت الأبواب على السكان الثمانية لبيوسفير 2 في 26 سبتمبر 1991 ولمدة عامين، لم يكن هناك شيء واضح عن المهام المفترض قيامهم بها في الداخل، لم تكن هناك أية خطة بحثية سابقة تم وضعها لهذا الغرض، ولم يكن مسموحاً لأي شيء بالدخول والخروج لمدة عامين كاملين، وهو ما أدى إلى حدوث حالة من الاحتقان عند بعض القاطنين، وظهرت مجموعة من المشاكل بدءاً من تذبذب مستويات ثاني أكسيد الكربون وصولاً إلى ظهور أنواع كبيرة من الآفات، وكافح سكان بيوسفير 2 لزراعة كميات من الطعام يمكن أن تكفيهم، وكذلك انخفضت بشدة مستويات الأكسجين، فكانوا يعانون الاختناق والجوع .

وفي العام 1992 كان الإبقاء على بيوسفير2 محكم الإغلاق يعني انخفاض مستويات الأكسجين وكان ذلك يعد فشلاً ذريعاً للمشروع، وهو الأمر الذي لم تتناوله وسائل الإعلام واللجنة العلمية الاستشارية وقتها واتضح بعد ذلك، وفي يناير/ كانون الثاني 1993 انخفضت مستويات الأكسجين بشكل حاد، ما تطلب ضخ أكسجين إضافي داخل المنشأة، وفي الشهر الذي تلاه استقالت اللجنة العلمية الاستشارية بسبب حالة الإحباط التي سادت وقتها .

وبعد ضخ الأكسجين لم يعد قاطنو المنشأة يشعرون بحالة الاختناق ولكنهم كانوا يشعرون بالجوع وكانوا يحاولون التماشي مع ظروفهم، ولكن حالة التوتر الداخلي التي انتابتهم انعكست عليهم وانقسموا إلى معسكرين، وسادت بينهم حالة من الانشقاق والخلاف .

وعلى الرغم من إكمالهم العامين الأولى من العمل باءت التجربة بالفشل، ولذلك حاول الفريق عمل محاولة أخرى لمدة عامين آخرين بعد فترة من المحاولة الأولى، بدأت في مارس/ آذار ،1994 ولكن بعد مرور شهر واحد من هذه المحاولة وبسبب حالة الإحباط التي سادت قاطني بيوسفير2 بسبب التكاليف الباهظة وعدم وجود مصدر للاتصال بالعالم الخارجي، قرر اثنان من سكان بيوسفير2 تخريب التجربة وفتح الأبواب الخارجية، وبعد سبعة أشهر فقط انتهت المحاولة الثانية .

وفي ديسمبر/ كانون الأول 1995 قامت جامعة كولومبيا الأمريكية باستئجار المكان، واستبدلت حقول الأرز والبطاطا الحلوة التي كان قد تم زراعتها داخل بيوسفير2 بأشجار القطن مكانها، وقام الباحثون بفصل الصوبة الزجاجية العملاقة، ودراسة تأثير تغير درجات الحرارة في الارتفاعات المختلفة للقبة على عملية تنفس النباتات، وكذلك كيفية تمكن أنواع مختلفة من النمل من الزحف إليها، ومراقبة بناء الأعشاب المرجانية في المحيط .

وفي العام 2003 وعندما كان الباحثون يستكملون دراستهم داخل المنشأة، أنهت الجامعة عقد استئجارها للمكان، والسبب في ذلك لم يكن فقط تكاليف تشغيل المنشأة والتي وصلت فاتورة الطاقة فيها إلى 600 ألف دولار في العام، ويذهب معظمها في عمليات التبريد، ولكن بسبب أن الجامعة لم يكن مسموحاً لها بعمل تغييرات رئيسية في المكان، وبعد انتهاء عقد استئجار الجامعة لها، لم تعد بيوسفير 2 ولمدة الأربع سنوات التي تلتها أكثر من مجرد مزار سياحي، وكانت المنشأة معرضة للتهديد بهدمها بالبلدوزرات لتحل محلها شقق خاصة .

وفي 2007 قامت جامعة أريزونا الأمريكية باستئجار المكان، وفي 2011 تم منح المبنى للجامعة، وقدم الملياردير الأمريكي باس20 مليون دولار للجامعة للمساعدة في النهوض مرة أخرى بالمشروع الجديد، وقام الملاك الجدد للمشروع بعمل بعض التغييرات فيه، فالمنطقة الزراعية السابقة أصبحت مفتوحة في الهواء الطلق، وتم تقليل تبريد المناطق الإحيائية عن ذي قبل، وسمح للجزء العلوي من الغابة المطيرة أن تنمو أكثر بهدف تقليل عمليات الصيانة، وجعل غابات السافانا تمطر بشكل مستمر ولكنه قليل، ومثل هذه التغييرات أدت إلى انخفاض فاتورة تكلفة الكهرباء لتصل إلى 250 ألف دولار في العام .

ويتكون المشروع الجديد من تلال صناعية ضخمة تم بناؤها في المنطقة الزراعية السابقة التي أطلق عليها حالياً المرقاب التطوري للطبيعة أو لاند سكاب إفوليوشن أوبسرفاتوري، ومن المقرر أن يستغرق العمل في المشروع عشر سنوات على الأقل، والهدف منه اكتشاف علوم الأرض، ومع ذلك لم تكن البداية في المشروع موفقة، فعلى حسب النموذج الحوسبي الذي تم وضعه للمشروع الجديد فإنه سيحدث انحدار في خلال 24 ساعة إذا سقطت الأمطار بمعدل 12 ملليمتر في الساعة، وتم استبدال الحقول بعمل ما يشبه سفوح التلال، وأصبح يوجد تحت كل قبة زجاجية منحدر أسود في حجم ملعب تنس، مصنوع من طبقة عمقها متر من الصخور البركانية، وكل منحدر يستند على شريحة معدنية ضخمة، وفي الغابات المطيرة تم عمل طبقة معدنية ضخمة تكشف عن حفرة عميقة تجعل من السهل أخذ عينات من التربة .

ويرى ترافيس هوكسمان مدير بيوسفير 2 في الفترة من 2007 وحتى 2012 أن المشكلات التي اعترضت سكان بيوسفير2 جعلت العلماء يعرفون كثيراً عن نظم كوكب الأرض، وكيفية تفاعل سطحه مع الغلاف الجوي، وأصبح موضوع تغير المناخ هو حديث العلماء، ووجدوا أنه كلما ارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون ازدادت درجة حرارة كوكب الأرض، وبالتالي ازدادت عملية امتصاص النباتات والتربة لثاني أكسيد الكربون، وأصبحت عملية البناء الضوئي بطيئة، وهو ما زاد الأمور سوءاً، وأدى إلى تكون طبقات ضخمة من الأتربة السوداء وقتها .

ويضيف أن المشروع الجديد يمكنه أن يساعد في تحقيق عدة أشياء منها قيادة الفضاء واستعمار عوالم أخرى، والتخطيط لبناء قواعد بالقرب من سطح القمر أو المريخ، فالعلماء أصبحوا على وعي الآن بالتفاعلات التي ربما تحدث مع الهواء الموجود على سطح كوكب الأرض .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"