«الصحة العالمية» بين واشنطن وبكين

02:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

يبدو أن الصين تستفيد من التراجع الأمريكي في الاتفاقات والمؤسسات المتعددة كي تدفع بمرشحيها إلى المراكز الاستراتيجية

في الأزمة الأخيرة الناجمة عن جائحة (كوفيد-19) امتدت الحرب الباردة القائمة بين الولايات المتحدة والصين، في المجال التجاري أقله، إلى منظمة الصحة العالمية التي أعلن الرئيس ترامب عن تجميد مساهمة بلاده المالية فيها ، قبل أن يعاود التمويل بشكل جزئي ، بسبب افتقاد المنظمة المصداقية بعد انحيازها إلى الصين.

المدير العام للمنظمة، تيدروس جيبريسوس، يرد على واشنطن متهماً إياها بالسعي لتسجيل نقاط سياسية. ويبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، يجاريه في ذلك، عندما حث ترامب على «عدم تسييس الفيروس»، معتبراً أنه بعد انتهاء الأزمة سيكون هناك مت`سع من الوقت للعودة الى الوراء، وتحديد المسؤوليات.

ويقول دافيد فيدلر، الخبير بالصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، إنه ينبغي التمييز بين مستويين، «فعلى المستوى التقني قامت منظمة الصحة العالمية بوظيفتها عبر جمع اللجان العلمية ونشر المعلومات في 194 بلداً عضواً، وتقديم النصائح والمساعدات لها في مواجهة الجائحة. ولكن على المستوى السياسي تكيفت المنظمة مع غموض الصين، وحيت جهودها في مواجهة الفيروس». وبالمقارنة مع المديرة السابقة للمنظمة النرويجية جرو هارلم برنتلاند (1998-2003)، فقد تمكنت في فبراير شباط 2003، من إجبار الصين على نشر المعلومات التي تمتلكها حول الفيروس الجديد وقتها «سارس» الذي أصاب 8000 شخص في 26 بلداً، وقتل منهم ثمانمئة.

وفي عام 2005 نجحت المنظمة في فرض تشريع دولي جديد يجبر الدول الأعضاء على تطوير جهازها الصحي استعداداً لمواجهة أي وباء جديد، وعلى الإفصاح الفوري عن وجود مثل هذا الوباء على أراضيها. وفي عام 2010 انتقدت الإجراءات التي اتخذتها المنظمة لاحتواء وباء إنفلونزا الخنازير لأنها قامت بإعلانات تسببت بهلع عالمي، قبل أن يقتل الوباء 19 ألف شخص في العالم، وهو رقم يعتبره كثيرون أنه أقل من ضحايا الإنفلونزا الموسمية العادية.

وبعدها بأربع سنوات، عندما بدأ وباء «أيبولا» بالانتشار في إفريقيا الغربية، ضغط قادة دولها على المنظمة كي لا تعلن حالة طوارئ صحية، خشية أن تتسبب بانهيار اقتصاداتها الهشة، الأمر الذي يثبت أن المنظمة يمكن أن تخضع لضغوط الدول الأعضاء فيها. وقتها سارعت واشنطن إلى التحرك للانخراط مباشرة في مواجهة هذا الوباء الذي قتل 11 ألف شخص في إفريقيا،كي لا ينتشر في قارات أخرى، ويصل إلى الولايات المتحدة.

وهكذا، فإن توقف واشنطن عن دفع مساهمتها المالية يضعف بلا شك المنظمة، في وقت يبدو العالم في أشد الحاجة إليها. يقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إن «المنظمة تبدو ككرة اللكم في كل أزمة صحية عالمية. ولكن ما ذا سيحدث غداً، إذا قامت الولايات المتحدة بالانسحاب من المنظمة، وتأسيس منظمتها الصحية الخاصة على المستوى العالمي؟ ربما ستكون هذه الأخيرة أكثر فعالية، وسرعة، ولكن عندما يتم اكتشاف لقاح، أو دواء ج``ديد، فإن الأولوية ستعطى للمواطنين الأمريكيين».

وفي هذا الصراع الأمريكي-الصيني الخفي يبدو أن الصين تستفيد من التراجع الأمريكي في الاتفاقات والمؤسسات المتعددة كي تدفع بمرشحيها إلى المراكز الاستراتيجية، حيث يمكن أن تفرض قواعدها الخاصة. وقد وصل نفوذ الصين في بعض وكالات الأمم المتحدة كمنظمة الصحة العالمية (التي احتلت الصينية مارجريت تشان منصب مديرها العام بين عامي 2007 و2017)، والفاو، وإدارة الإنتربول، ولجنة الاتصالات الدولية، وغيرها إلى درجة تثير امتعاض الأمريكيين، وحتى بعض الأوروبيين. يقول أحد الدبلوماسيين الفرنسيين الذين عملوا في نيويورك إن «الصين باتت بصدد الإمساك بالسلطة في منظمة الأمم المتحدة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"