يتساءلون عن المسؤول.. أمريكا أم ترامب؟

03:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
جميل مطر

حقاً إن جئت لتلوم فمن تختار، أمريكا أم الرئيس ترامب؟ نرى أمامنا رجلاً في منصب رئيس أقوى دولة في العالم جعل الكلام، كلام اللسان وكلام الجسد، وسيلته إلى إثارة عواطف الناس، إعجاباً أم كرهاً. كثيرون في وزارة الخارجية الأمريكية يسرون إلى أقاربهم بأنهم بلا عمل تقريباً. أعفاهم الرئيس حين قرر أن يتعامل مع قادة العالم وشعوبها بالكلام من خلال مؤتمراته الصحفية وليس عن طريق جهاز الدبلوماسية، أي الجهة المسؤولة عن التواصل مع «الخارج». كثيرون في مواقع أخرى في الحكومة الفيدرالية يتوقعون صيفاً سياسياً حاراً للغاية، ليس بسبب الانتخابات الرئاسية، ولكن لما يبدو أنه سوف يأخذ شكل مذبحة تطال رأس كل مفتش عام في وزارة أو وكالة فيدرالية أمريكية. طارت حتى ساعة كتابة هذه السطور خمسة رؤوس. الواضح أن الرئيس الأمريكي يفعل ما يفعله كثيرون من قادة العالم النامي، يتخلصون من خصومهم ومن قادة المجتمع المدني منتهزين فرصة انشغال الرأي العام بمذبحة أخرى، المذبحة التي دشنها فيروس كورونا.
قيل إن دراسة أعدتها هيئة بحثية مرموقة في ألمانيا توصلت إلى أن قادة أوروبا ونخبتها السياسية وصناع الرأي فيها كادوا يجمعون على أن الولايات المتحدة تخلت عن قيادة العالم، أي عن الدور الذي أنيط بها أو صنعته لنفسها قبل قرن من الزمن.
يذكرون ونذكر معهم كيف أن رؤساء تفاوتت خبراتهم وتجاربهم استطاعوا تجميع صفوف قادة وحكومات على أهداف اختارتها أمريكا. لن نذهب بعيداً إلى بدايات حلف الأطلسي أو إقامة صرح الأمم المتحدة وابتكار الأسس والقواعد لنظام القطبين.
نعود إلى وقت أقرب كثيراً، نعود إلى عهد بوش ونجاحه في توحيد العالم وراء هدف مكافحة وباء الإيدز، أو نعود إلى عهد باراك أوباما وحربه على الإيبولا. في عهود سابقة كان العالم أو غالبيته يسير وراء أمريكا، تدفعه دوافع شتى، ليس أقلها شأناً الطمأنينة والخوف والحاجة. نادراً ما لعبت شخصية الرئيس الأمريكي دوراً في تجميع الدول وقادتها وراء أمريكا. لم يكن نيكسون شخصية محببة إلى غيره من رؤساء الدول، وكان بوش الابن مثار تهكم عديد من الرؤساء وصناع الرأي في معظم أنحاء العالم، وكان باراك أوباما متعالياً دائماً أو متكبراً، فلم يكسب ود قادة عديدين. رغم ذلك ظلت أمريكا قادرة بدرجات متفاوتة على تجميع أكبر عدد من الدول وراء هدف أو آخر وسياسة أو أخرى من
أهداف وسياسات الولايات المتحدة.
تسرب الفيروس إلى الولايات المتحدة. ما ظهر لنا كشف عن رئيس غير مبال للخطر الذي يمثله هذا الفيروس، لامبالاة مختلطة بكم هائل من العداء والانفعال. حاول الرئيس إقناع ملايين الأمريكيين أنها مجرد إنفلونزا عادية تخف وتزول بقرصين أو أكثر من الأسبيرين. تفاقم التهديد فقرر الرئيس تسييس الفيروس متهماً الحزب الديمقراطي بافتعال القصة بكاملها، أي اتهمه بترتيب خدعة للتأثير في الانتخابات الرئاسية القادمة. اشتد الخطر ومعه تصاعد رد فعل الرئيس، فأمر فجأة بوقف رحلات الطيران من أوروبا. لم يستشر الطرف الآخر، وأقصد الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف الغربي التي كان المفترض أن تنطلق من مطاراتها بعد دقائق هذه الطائرات، ثم توالت التصرفات غير المدروسة، وبعضها كاد يمس نقاطاً حساسة على حدود الأمن القومي الأمريكي. لم يهتم بالأطباء والعلماء حين قرر الأسبيرين دواء ناجعاً للفيروس القادم من الخارج، ولم يهتم بخبراء السياسة الخارجية عندما قرر إقامة جدار يفصل أمريكا عن أوروبا أسوة بجدار يشيده على حدود بلاده مع المكسيك.
كنت شاهداً في دول عديدة على رؤساء بالعشرات تمسكوا بالحكم بعد أن واتاهم ولم يفاجئهم موعد تخليهم عن مقعد الرئاسة. كنت في أمريكا اللاتينية، قريباً من جرائم عديدة ارتكبت في حق الناس والقانون والدين، لمجرد أن الرئيس المنتهية مدته يرفض مغادرة قصر الرئاسة. كانت الحجة واحدة في معظم الحالات التي حضرتها. الرئيس ما زال لديه ما يفعله لمصلحة هذا الشعب وهذا الوطن.
ما زالت أمريكا قادرة على تجميع دول وراءها، كما أظنها فعلت في المظاهرة التي نظمتها لها أستراليا في الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية. هذه المرة الدول أقل، والحلفاء انقسموا وراوغ بعضهم. أكرر السؤال: أمريكا أقل قدرة أم ترامب مصدر للشك وسبب للضعف؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"