القوة الهندية القادمة (1-2)

02:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. لويس حبيقة *

المعضلة الآنية التي تواجه الإدارة الجديدة هي كيفية التوفيق بين تحقيق النمو القوي وترشيد الإنفاق وتخفيف الهدر. الهدف هو الوصول إلى عجز مالي لا يتعدى 3.3 % هذه السنة انخفاضاً من 4 % منذ سنتين.

للهند مزايا كبرى تجعلها قوة سياسية واقتصادية أساسية في العقود القليلة القادمة. تحقق الهند نمواً كبيراً وصل إلى 7,5% في 2018 تبعاً لصندوق النقد الدولي. أحسنت حكومة الرئيس مودي إدارة البلاد ما أمن إعادة انتخابه رئيساً للوزراء في شهر مايو أيار الماضي. النمو القوي ضروري لتأمين الاستقرار لدولة فيها 1.369 مليار مواطن أي الثانية عالميا بعد الصين (1.42 مليار). ستسبق الهند الصين في الديموغرافيا قريباً بفضل النمو السكاني الذي ما زال متفوقا. للديموغرافيا الكبيرة حسنات وسيئات أي تؤمن اليد العاملة الكثيرة والضرورية للانتاج والازدهار، كما تشكل من ناحية أخرى ثقلاً كبيراً على الاقتصاد ولا بد من تأمين الحقوق الاجتماعية له. هنالك 7 دول في العالم تحتوي على أكثر من 50% من سكان العالم وهي بالاضافة إلى الصين والهند الولايات المتحدة، إندونيسيا، البرازيل، باكستان ونيجيريا. سوء توازن خطير لكنه واقعي ويجب التأقلم معه.

هنالك مؤشرات احصائية جديدة مقلقة للدولة الكبيرة أي إن نمو الفصل الأول من 2019 لم يتعد 5,8% مقارنة ب 6,6% في الفصل الرابع من 2018. نسبة 2019 هي الأدنى منذ 5 سنوات ما يمكن أن يشير الى تغير كبير سلبي في النمو والتطور. هدف حكومة الرئيس مودي الجديدة هي تحقيق نمو سنوي قدره 8% أي الوصول الى ناتج محلي إجمالي قدره 5 آلاف مليار دولار قبل 2025 أي ضعف الناتج الحالي. تحد كبير لحكومة طموحة برئيسها ووزيرة ماليتها الجديدة Sitharaman. الوزيرة هي المرأة الأولى التي تتولى هذه الوزارة منذ أن شغلتها أنديرا غاندي منذ 50 سنة. وقتها كانت غاندي رئيسة للوزراء ووزيرة للمالية. المعضلة الآنية التي تواجه الادارة الجديدة هي كيفية التوفيق بين تحقيق النمو القوي وترشيد الإنفاق وتخفيف الهدر. الهدف هو الوصول إلى عجز مالي لا يتعدى 3,3% هذه السنة انخفاضاً من 4% منذ سنتين. من أهداف الوزيرة الجديدة تنشيط الاقتصاد، تخفيف البطالة وتوسيع الضمانات الاجتماعية الى أكثر من 30 مليون شخص إضافياً والى عدد كبير من الشركات.

ما التحديات التي تواجه الهند اليوم؟

أولاً: صعوبة تنفيذ القرارات الحكومية حيث تتشابك الأهداف السياسية مع الاقتصادية والاجتماعية. بالرغم من النمو القوي، لا يمكن تحليل الاقتصاد بناء على الناتج فقط بل هنالك عوامل أخرى مهمة منها: توزيع الثروة والدخل، كما مؤشرات التعليم والصحة والغذاء وغيرها. هنالك أكثر من 600 جامعة في الهند والمستويات مختلفة لكنها مرتفعة عموماً.

ثانياً: بنيت الهند الحديثة منذ 1947 على أفكار وتصرفات عملاقين هما غاندي ونهرو. عاش المهاتما غاندي بتقشف وبأقل مستوى من المادة، وكان متديناً ومؤمناً بالاشتراكية. نظرة غاندي ارتكزت على الديمقراطية الممزوجة بالتواضع والتقشف والحد الأدنى الذي يحتاج إليه الانسان للعيش. يمكن وصف غاندي بوالد الهند الجديدة. كان نهرو اشتراكيا لكنه لم يكن متديناً وبالتالي حاول تطبيق نوع من الاشتراكية السوفييتية. أخذ نهرو من غاندي أفكاراً عدة منها حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة كما سياسة التوزيع الاجتماعي عبر السياسات الحكومية. زادت البيروقراطية كما لم يحصل سابقا ما سبب ارتفاعاً في مؤشرات الفساد.

ثالثاً: بفضل توجيه السياسات الهندية الاقتصادية نحو الاشتراكية السوفييتية تم الاستثمار العام الكبير في الصناعات الأساسية الثقيلة، كما يقول «بازو» في كتابه عن بلده والسياسات الوطنية. تحقق النمو المعتدل حتى التسعينات لكنه لم يعد كافياً لحماية الزيادات السكانية وتعزيز دور الهند في الاقتصاد الدولي المعولم. لم تدخل الهند كما الصين في تحديد النسل أو في فرض سياسات سكانية قاسية وصارمة، بل تركت القرار للمواطن.

رابعاً: مع انهيار الاقتصاد السوفييتي كان لا بد للهند من أن تغير سياساتها أيضا بدءاً من 1991 مع رئيس الوزراء الجديد راو. توفي نهرو في سنة 1964 وأصبحت ابنته أنديرا غاندي رئيسة للوزراء في 1966. حتى 1977 كانت أنديرا في السياسة ابنة نهرو، لكن منذ 1980 تغيرت كثيرا تحت تأثير نجليها سانجاي وراجيف. هذا التأثير أنتج تحولاً نحو الاقتصاد الحر وسياسات الصرف الحرة. لذا ارتفع النمو الاقتصادي السنوي من 1,4% في 1992 الى 5,4%، 5,7% وأعلى في السنوات التي تلت. كان تغييرا مفيداً للثروة ولدور الهند في الاقتصاد العالمي.

* كاتب اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"