الشعبويون في زمن «كورونا»

02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. غسان العزي

ليست الشعبوية أيديولوجية أو عقيدة أكثر منها أسلوب حكم وتواصل مع الجماهير. ويمكن للشعبويين أن يكونوا من اليسار أو اليمين وعلى رأس أنظمة ديمقراطية أو دكتاتورية. وما يجمع ما بينهم أنهم متطرفون عموماً في أفكارهم وشيطنتهم للنخب الحاكمة التقليدية، وقوميتهم المفرطة وتمسكهم بالهوية الوطنية وكرههم للمهاجرين واللاجئين،ونبذهم للعولمة والتعددية الثقافية، وادعائهم بحصرية تمثيلهم للشعب ودعوتهم لسلطة قوية إلخ.
وقد لمع الشعبويون خلال العقد المنصرم، فوصل بعضهم إلى السلطة، كما في الولايات المتحدة (دونالد ترامب) أو إيطاليا (ماتيو سالفيني)، أو البرازيل (جائير بولسونارو)، أو هنغاريا (فكتور أوربان)، أو بريطانيا (أنصار البريكست) واقترب بعضهم كثيراً من اعتلاء السلطة، كما في فرنسا (مارين لوبان) أو النمسا أو بولونيا وغيرها.
ويمكن القول إن أزمة كوفيد-19 كانت جد مؤاتية لهم إذ إنها سددت ضربة قاصمة للعولمة التي ينبذونها، فقد عادت الدول للتقوقع داخل حدودها التي أقفلتها حتى في وجه أقرب جيرانها، وبدا الاتحاد الأوروبي الذي يمقتون، عاجزاً مهدداً بالتفكك أمام الجائحة. وبالتالي جاءت هذه الأخيرة، لتحقق فجأة وبقدرة قادر مطلباً أساسياً من مطالبهم، وبنداً رئيسياً من بنود برامجهم الانتخابية.

لكن هل يمكن القول إن الجائحة فتحت أمامهم الطريق لاعتلاء السلطة في الانتخابات المقبلة؟ وكيف أدار من منهم في السلطة أزمة كورونا؟ وكيف تفاعل معها من منهم في المعارضة؟ وهل ارتفعت شعبيتهم بفضل هذه الإدارة؟
في البداية من الولايات المتحدة يمكن القول، إن الرئيس ترامب اتخذ من المواقف ما كان مثيراً للشفقة. لقد أصر على إبراز تفوقه على الآخرين وحتى على الأطباء والمختصين بالأمراض الفيروسية والمعدية، ورفض ارتداء الكمامة، وتناول عقاراً لم تقره وزارات الصحة لا في أوروبا ولا في الولايات المتحدة نفسها، وذهب به الأمر إلى اقتراح أن يتناول الأمريكيون المساحيق المنظفة والمعقمة التي تشكل خطراً أكيداً على الحياة. وعمل ما بوسعه لتوجيه الاتهامات إلى الصين ومنظمة الصحة العالمية في محاولة لتغطية تخبط إدارته في إدارة أزمة الوباء. وبدل أن تشكل هذه الأزمة رافعة له في الانتخابات المقبلة يجمع المراقبون بأنها ستكون سبباً لخسارته ملايين الأصوات وربما الانتخابات.

نرى الأمر نفسه تقريباً عند «ترامب البرازيل» الرئيس بولسونارو الذي بدوره أبدى تجاهلاً لخطورة الوباء واحتقاراً للنخب العالمية من أطباء وباحثين، وصولاً إلى اليوم الذي قد يطرح عزله عن السلطة، تماماً كما حصل للرئيس ترامب.
من جهته فلاديمير بوتين الذي ينتمي إلى عائلة الأوتوقراط القوميين الذين يمجدون الدولة وموقعها على الساحة الدولية قبل رفاه واطمئنان مواطنيها، فقد انتقد في البداية تعامل دول أوروبا وأمريكا مع "الجائحة "وأكد أن بلاده لا تخشى العدوى ( في 26 مارس الماضي أعلن أن الوباء غير موجود في روسيا) وأرسل على وجه السرعة مساعدات طبية إلى إيطاليا والولايات المتحدة. ثم بدأ كوفيد-19 بالزحف إلى روسيا، تماماً كما حصل في إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها.

في النمسا انتقد حزب الحرية المتطرف الحكومة، لأنها لم تغلق الحدود فوراً مع الخارج، وبعد حين عاد وانتقدها، لأنها تبالغ في الإجراءات وذلك تحت شعار «جنون كورونا»، معتبراً أن الحكومة تخيف الناس. مواقفه هذه أدت إلى تراجع شعبيته من 26% إلى 10% عشية الانتخابات الإقليمية المقبلة في 11 أكتوبر/تشرين الأول.

في إسبانيا اتهم «حزب فوكس» الشعبوي الحكومة الاشتراكية بالمسؤولية عن الوفيات بفعل كورونا، لأنها سمحت بقيام التظاهرات النسائية في 8 مارس الماضي، حيث انتشرت العدوى بين المتظاهرين، ثم نشر صوراً ملفقة على تويتر تصور قتلى مرميين في شارع رئيسي في مدريد، ورفع دعوى على رئيس الوزراء بدرو سانشيز، لأنه امتنع عن مد العاملين في المجال الصحي بالمواد الوقائية الضرورية. رغم ذلك لم يتخط فوكس نسبة 13% في استطلاعات الرأي التي تكشف عن تقدم واضح للحزب العمالي الاشتراكي الحاكم.

في بلجيكا حاول حزب اليمين المتطرف الفلاماني «فلامز بيلانغ» الاستفادة من عجز الحكومة في مواجهة الجائحة فحقق تقدماً وصل إلى 27% من الأصوات بحسب استطلاعات الرأي، وأخذ زعيمه الشاب فان غريكن يفاوض الحكومة، كي يتزعم منطقة الفلامان التي يطالب باستقلالها. لهذا راحت شعبيته تتراجع رويداً بسبب انتهازيته، وتقدم بروكسل في مواجهة الوباء.
في فرنسا حاولت مارين لوبان الاستفادة من مكامن الضعف التي كشفها الجهاز الطبي وإدارة ماكرون للأزمة، لكن الرأي العام الفرنسي رفض الالتحاق بها، ما أجبرها على اتخاذ «بروفيل منخفض». وفي بريطانيا تبنت الحكومة نظرية «مناعة القطيع» قبل أن يصاب رئيس الوزراء نفسه بالوباء، وتلتحق لندن بركب الدول التي فرضت إجراءات الحجر والوقاية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"