الرواية تتنبّأ

04:11 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

من أكثر الحجج التي قدمها أنصار فن الرواية في معرض تفضيلهم لها على بقية الأجناس الأدبية، أنها تقدم تفسيراً للواقع الاجتماعي، وللتاريخ، فالروايات التي تتناول الواقع، لا تكتفي بمهمة الرصد فقط، بل تضع نبوءات لما يحدث لمجتمع ما في ضوء واقع محدد، وكذلك الأعمال السردية التي تدور مواضيعها حول التاريخ، فهي ليست مجرد حكاية حدثت في الماضي، بكل تفاصيله الجمالية والموضوعية، بل تعمل على تفكيك الحدث التاريخي وتأويله لمصلحة الراهن والمستقبل، وتعقد علاقة بما جرى وسوف يجري.

ولئن ألمت بقراء الرواية دهشة كبيرة في معتزلاتهم وهم يطالعون أعمالاً سردية حملت توقعات بجائحة كورونا الحالية، فإن ذلك الأمر ليس بجديد، بل إن الرواية قد توقعت أحداثاً بصورة أكثر عمقاً وتفصيلاً، وهنالك أعمال كثيرة غاصت عميقاً في الواقع الاجتماعي وخرجت بتوقعات عن منعطفات اجتماعية قادمة، فعمل مثل «كوخ العم توم»، لهاربيت ستو، ودارت فكرته حول العبودية وضرورة محاربتها، كان شديد الارتباط بالحرب الأهلية في أمريكا، بل إن شخصاً مثل ويل كوفمان، الموسيقي، وأستاذ الدراسات الأمريكية في سنترال لانكشاير بإنجلترا، كان يرى أن تلك الرواية كان لها الأثر الحاسم في تلك الأحداث، وكذلك نجد أن بعض أعمال الروائي تشارلز ديكنز، قد حملت نبوءات بالثورة الفرنسية، عبر عملية رصد العنف الذي أصاب الطبقات الفقيرة والمسحوقة، خاصة في روايته الخالدة «قصة مدينتين»، فقد بدأها باكراً قبيل اندلاع الثورة، وكذلك يرى كثيرون أن الثورة الروسية في عام 1917، جاءت وكأنها قد اطلعت على الأعمال السردية القصصية والروائية للكاتب الروسي انطوان تشيخوف، حيث شخصت أعماله الواقع الاجتماعي في روسيا، وتوقعت بتغييره، وكذلك أعمال الكاتب البريطاني «جورج أورويل»، التي حملت توقعات بنشوب الحرب العالمية الثانية، وانهيار بعض الإمبراطوريات خاصة عمله «مزرعة الحيوانات»، وكذلك رواية «1984»، التي توقعت انهيار الاتحاد السوفييتي في وقت محدد، وقد صدقت تلك النبوءة خاصة أن السقوط قد جاء في توقيت قريب من الذي حدده أورويل.

وفي العالم العربي، كانت هنالك أعمال سردية ذات رؤى نافذة، على نحو ما فعل نجيب محفوظ، في أعماله التاريخية التي تطل على الواقع مثل سلسلة الحرافيش، وكذلك أعماله الأخرى التي ترى حتمية التغيير مثل: «ثرثرة فوق النيل»، و«الكرنك»، وهناك أيضا رواية «الأرض»، لعبد الرحمن الشرقاوي، فتلك أعمال قد أكدت على ضرورة التغيير، عبر قراءة الواقع وتأويله.

والحقيقة أن الرواية أثبتت أنها فن شديد الحساسية والالتقاط والتطور، فقد أخذت بالأساليب العلمية كالتحليل النفسي والسلوكي، من أجل سبر أغوار النفس البشرية، وكذلك أخذت من الفلسفة القدرة على التحليل والحفر والتفكيك ووضع الأسئلة والتنبؤ بما سيحدث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"