دور التلفاز في تخريب الحياة

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

ما يُؤسَف له أن المُفسدات الآتية عبر هذا الجهاز في عصرنا هذا هي أكثر بكثير من المُسلّيات والملهيات.

لا شيءَ يُفسد مجتمَعَاتنا كالتّلفاز؛ هذه الآلة الصمّاء، التي يتسمّر عندها الجميع، لتقدّم إليهم من الآراء ما هو جديرٌ أحياناً، وأحياناً غيرُ جديرٍ من المشكلات. وهذه الملاحظة الأخيرة هي الأكثر حضوراً، فما يقدّمه هذا الجهاز المُلهي في كثير من برامجه ليس إلَّا محاولةً للإلهاء. قديماً وجد المشاهد في بعض الوجوه الدّرامية، أمثال سمير غانم، وعبدالمنعم مدبولي وغيرهم، بطولات تشدّ إليها الاهتمام، ولكن ما يُؤسَف له أن المُفسدات الآتية عبر هذا الجهاز في عصرنا هذا هي أكثر كثيراً من المُسلّيات والملهيات.

وقد قام هذا الجهاز في فترة القلق من انتشار وباء كورونا بدور نسيان القلق والتوتر مؤقتاً، وأثار الابتسامة في الوجوه العابسة، غير أن الأمر الذي كان يعكر هذا الدور هو كثرة الإعلانات وافتعالها، وقد يقول البعض: إن هذه الإعلانات هي مصدر دخل هذا الجهاز، ومن دونها يتعطل دورُه وإمكاناته، إلا أن لنا أن نتخيّل الوقتَ الطّويلَ الذي يتطلبه مشاهدة هذه الإعلانات. ولولا الجاذبيّة التي يمتلكها بعضُ الممثّلين أمثال عادل إمام لما تواصلت النجاحات القليلة لهذا الجهاز، وفي مقدور الجميع أن يتوقفوا عند دور الفنان الكبير عادل إمام وتنويعاته الفنيّة، فضلاً عمّا يمتلكه هذا الفنان من جاذبيّة تشدّ المشاهدين، وتجعلهم يقتنعون أن هذا الذي يشاهدونه على الشاشة ليس إلا جزءاً لا يتجزأ من حقائق الحياة التي نمر بها، وتمر بنا، ومن دون هذه المشاهد وهذه التنويعات يبقى الصَّبرُ على متابعة ما يقدّمه هذا الجهاز من الصعوبة بمكان.

وجديرةٌ بالإشادة قُدرةُ المُخرجين على ترتيب الوقت، وعرض ما هو غنائي، وما هو فكري، واجتماعي، لكنهم يعجزون عن اختيار المواد المناسبة للعرض، للصّغار والكبار على حدٍّ سواء.

يشير كثيرٌ من الدّارسين إلى أن وَعيَ الإنسان كان أفضل، ونفسيتَه كانت أجمَل قبل اختراع هذا الجهاز المدمّر، للعلاقة بين نفسه وبين واقعِها الاجتماعي والإنساني، ومهما اشتدّت الملاحظاتُ، وقَسَت على هذا الجهاز المُدمِّر، فإنها تبقى أقلَّ ممّا يجب، فقد وصل الأمر بالإنسان وهذا الجهاز إلى درجةً يصعب التكهّن بآثارها المقبلة، وحتى لا نسيء الظنّ بالذين نجحوا في اكتشاف هذا الجهاز نقول: إنّ كل شيء صدر عنه لم يكن على الطريق الصحيح.

إنه آلةٌ حسّاسةٌ دقيقة، قادرة على امتصاص الهَمّ الإنساني، وفتح أبوابٍ لا حدود لها للتعليم والمعرفة من جهة، والتّسلية من جهة ثانية، والمهمّ هو القدرة وحسن التّصرّف مع جهاز تعدّدت مفاتيحُه في أكثر من أفق. إن كثيرين - وأنا واحد منهم - في مقدورنا أن نتحكم في مصير هذا الجهاز، وكيف نمضي به نحو الطريق الصحيح الذي نريده له، ونريده لنا، لكن كيف يمكن لنا أن نحسن التكيّف والتعامل مع جهازٍ تعددت مفاتيحه؟

إن جهازاً كهذا قادر على تغيير أوضاع الإنسان، وتحسين أحواله إذا أجيد الاستخدام وأحسن التعامل معه، الجهاز الذي أحسن العلماءُ اختراعَه ولم نُحسن نحن استخدامَه. إنّ المشكلةَ ليست في الاختراعات، ولكن في كيفيّة الاستفادة من هذه الاختراعات، وكيف ينبغي، في حالة التلفاز، أن يكون وسيلةً للتّغيير في حياتنا الرّتيبة الجامدة، وهو ما قصده وتعمّده المخترعون الذين يذهبون إلى أنّ جهازاً كهذا يمكن أن يكون خيرَ وسيلةٍ للتّغيير والتّطوير والتّعليم أكثر من كونه مجرد جهازٍ للتسليةٍ والعبثٍ بالوقت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"