أزمتان عند منحدر

04:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السناوي

إنه النفط والغاز أولاً، والتمدد الإقليمي واكتساب مناطق نفوذ بقوة العضلات العسكرية، ثانياً، وتأكيد أهليته لتزعم تيار الإسلام السياسي باختلاف درجة تشدد جماعاته ثالثاً.

أزمة المياه تتفاقم، كأنها توشك أن تهوى من فوق منحدرات الهضبة الإثيوبية، إلى حيث يتهدد الأمن والسلم الدوليان في حوض نهر النيل.

وبالتزامن تتفاقم أزمة أخرى خطيرة ومنذرة عند الحدود الغربية مع ليبيا، حيث تجري مواجهات الدبلوماسية، والسلاح.

وأزمة المياه تكتسب أولويتها من طبيعتها.. فهي مسألة وجودية، حيث نهر النيل هو المصدر الرئيسي للمياه، ونضوب موارده يفضي إلى شح مائي جسيم لا تحتمل تداعياته على الحياة نفسها. وأزمة الصراع في ليبيا قضية أمن قومي، والانشغال بها لا يحتمل التأجيل.

فيما يبدو جلياً وظاهراً أن الاستراتيجية التركية في إدارة الأزمة الليبية، تعمل على بناء نقاط تمركز عسكرية مستدامة في قاعدتي «الوطية» الجوية و«مصراتة» البحرية، والسيطرة على الهلال النفطي، والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط من دون مقاومة كبيرة، اعتماداً على مناورات سياسية واستراتيجية بين القطبين الكبيرين الولايات المتحدة، وروسيا.

هكذا تغوّلت تركيا في الأزمة الليبية، ووسعت من نطاق تدخلها، وحصلت على ضوء أخضر أمريكي لمواجهة تمدد الدور الروسي، وألمحت في الوقت نفسه لموسكو بالاستعداد للتوصل إلى تقاسم المصالح والنفوذ على غرار مسار «أستانة»، وتفاهمات «سوتشي»، بشأن الأزمة السورية.

التعقيدات المستجدة على المسرح الليبي، اعترضت الاستراتيجية التركية.. المبادرة المصرية أربكتها، فرنسا تداخلت بالتصعيد الدبلوماسي، روسيا أجلت اجتماعاً في إسطنبول لوزيري دفاع وخارجية البلدين، تعبيراً عن أزمة ثقة عميقة، والولايات المتحدة منشغلة في أزماتها الداخلية، ورئاستها مهمومة بتراجع فرص تجديد ولايتها في الخريف المقبل.

إننا أمام استراتيجية تتخطى ما هو شائع من اتهامات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من هوس بالخلافة الإسلامية، أو إعادة إحيائها بقيادة عثمانية جديدة.

إنه النفط والغاز أولاً، والتمدد الإقليمي واكتساب مناطق نفوذ بقوة العضلات العسكرية، ثانياً، وتأكيد أهليته لتزعم تيار الإسلام السياسي باختلاف درجة تشدد جماعاته ثالثاً.

وفيما يبدو جلياً وظاهراً أن الاستراتيجية الإثيوبية في إدارة أزمة «سد النهضة»، تعمل على التحكم في استخدام مياه النيل الأزرق والسيطرة الكاملة على موارده العابرة للحدود من دون التفات لقدر الضرر الذي يلحق بدولتي المصب مصر، والسودان.

هكذا أهدرت التفاهمات التي جرى التوصل إليها عبر سلسلة طويلة من المفاوضات الثلاثية، آخرها وثيقة (21) فبراير/ شباط، التي أسفرت عنها مباحثات واشنطن برعاية وزارة الخزانة الأمريكية، والبنك الدولي، حين امتنعت عن حضور حفل التوقيع.

وقيل وقتها إن ما تم التفاهم عليه (90%)، وإن مساحة الاختلاف محدودة، ومقدور عليها.

وإذا ما بدأت إثيوبيا بملء خزان «سد النهضة»، مطلع يوليو/ تموز المقبل بلا اتفاق، فإن هناك مسارين لتصعيد الأزمة.

أولهما إجباري، بالذهاب إلى مجلس الأمن، كما أعلن وزير الخارجية المصري، وهناك احتمال أن تشاركه السودان الموقف نفسه، ويستدعي تدخلاً قبل أن تشتعل النيران في هذه المنطقة من العالم. والمسار الدبلوماسي، يستهدف ممارسة أقصى درجة ممكنة من الضغط على إثيوبيا.

وثانيهما اضطراري، إذا ما وصلت الأزمة إلى طريق مسدود، وهو له تكاليفه، ومحاذيره، وحساباته، وتداعياته، غير أن ذلك يسمم العلاقات بين بلدين يربطهما شريان حياة واحد بصورة يصعب ترميمها على أي مدى.

وبالقدر نفسه، لا أحد في مصر يحبذ التدخل العسكري المباشر في الصحراء الليبية الشاسعة، أو أن يقع في المستنقع نفسه الذي يتهدد أردوغان، الآن.

المثير، واللافت أن تركيا تتحسب لأية مواجهات سلاح محتملة فوق الأراضي الليبية، خشية ما قد يلحق بها من خسائر باهظة، وأعلنت أكثر من مرة، وعلى أكثر من مستوى، أنها لم تأتِ لليبيا لحرب مصر.

التزامن يعقد إدارة الأزمتين الضاغطتين، ويستدعي أن تكون الخطوات حازمة، ومحسوبة، والرأي العام حاضراً ويقظاً، لما قد تندفع إليه الحوادث على محورين استراتيجيين مختلفين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"