ليسوا عرباً.. وليست عربية

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
سليمان جودة


منذ سقوط نظام معمر القذافي صارت ليبيا في نظر دول كثيرة أرضاً للثروات لا أكثر، وميداناً للسباق نحو النفوذ لا أقل، ومجالاً لممارسة الهيمنة في الحالتين.

عن الجنرال توماس تراسك، النائب السابق لقائد العمليات الأمريكية الخاصة، نقلت وكالة الأنباء الألمانية قوله: إن على الولايات المتحدة أن تتحرك في ليبيا سريعاً، قبل أن يجري تقسيم مناطق النفوذ هناك بين روسيا من ناحية، وبين تركيا من ناحية أخرى!

تصريحات الجنرال تراسك نقلتها الصحف عن الوكالة الألمانية، صباح الأربعاء، وبدت وكأن صاحبها يدعو بلاده، ليس إلى السعي نحو حل للمعضلة القائمة حالياً في ليبيا، بقدر ما يدعوها إلى أن تسارع للحصول على قطعة من الكعكة الليبية!

وبعيداً عن الدعوة التي يطلقها تراسك.. فإن الحاصل أمامنا يقول: إن هذا هو حال روسيا في ليبيا، بمثل ما هو حال تركيا طبعاً، وبمثل ما هو أيضاً حال الولايات المتحدة، حتى ولو بدت وكأنها بعيدة عما يدور في أنحاء ليبيا، أو كأنها زاهدة في أن يكون لها موطئ قدم بين الذين يعملون على اقتسام ثروات الشعب الليبي!

واللقاء الذي لم يتم في إسطنبول قبل أسبوع بين وزراء الدفاع والخارجية في روسيا وتركيا، لم يكن سوى رغبة على الجانبين الروسي والتركي في أن يحصل كل منهما على ما يستطيعه، وما تصل إليه يده في شواطئ ليبيا وباطن أرضها!

وليس هذا في مجمله جديداً على الأشقاء الليبيين، فلا بد أنهم يلاحظون نوعاً من الصراع الإقليمي والدولي على ثروات بلادهم، منذ أن سقط نظام العقيد القذافي في 2011! فمذ ذلك العام صارت ليبيا في نظر دول كثيرة أرضاً للثروات لا أكثر، وميداناً للسباق نحو النفوذ لا أقل، ومجالاً لممارسة الهيمنة في الحالتين!

ولكن عواصم عربية قليلة في المقابل، كانت ولا تزال تعمل بكل ما تستطيعه، لعل ليبيا المستقرة التي نعرفها ترجع إلى سابق عهدها، ولعل شعبها ينعم بثرواتها وحده، فلا تكون لأردوغان الطامع الطامح، ولا تكون لميليشياته التي يرسلها إلى حكومة فايز السراج في العاصمة طرابلس!

وقد كانت القاهرة في القلب من هذه العواصم العربية، التي يحزنها أن يصل الحال فوق الأراضي الليبية إلى ما وصل إليه، والتي لا تطمع في شيء من ثروات البلد وموارده وإمكاناته، وإنما تريدها كلها لكل مواطن ليبي دون استثناء!

وحين أطلقت مصر «إعلان القاهرة» قبل أيام، فإن هذه الروح غير الطامعة في شيء، كانت هي الحاكمة للإعلان وبنوده، وكانت هي التي جعلته يضع ما يشبه خريطة الطريق نحو خروج ليبيا مما هي فيه، وكان البند الأول يدعو إلى وقف إطلاق النار بين الفرقاء الليبيين، ثم كان الثاني يقول: إن على الميليشيات التي توافدت على طرابلس ومحيطها أن تغادر، في حين نص البند الثالث على أن عودة الأطراف الليبية إلى مائدة التفاوض التي ترعاها الأمم المتحدة مسألة لا تحتمل الانتظار!

هذا الإعلان ببنوده يبدو في كل أحواله لمصلحة ليبيا كدولة، ولمصلحة الليبيين كبشر، ولمصلحة الدولة في ليبيا كوطن لكل أبنائه دون تمييز.. إعلان كهذا تقول القاهرة من خلاله: إنها لا تطمع في شيء من ثروات الدولة العربية الجارة، وإنها تطمح فقط في أن تقوم في ليبيا دولة قادرة على حماية حدود البلد، وحماية ثرواته، وتحقيق الأمن على أرضه وشواطئه!

ولكن إعلاناً كهذا أيضاً لن يطبق نفسه على الأرض، وسوف يظل في حاجة إلى مجتمع دولي يفرض إرادته لمصلحة الناس.. وبما أن المجتمع العربي السياسي جزء من هذا المجتمع الدولي، فالأمل قائم في أن يكون للعرب كلمة في ما يتقرر في الشأن الليبي، والذي لا يجوز أن يكون موضوعاً على مائدة غير عربية في إسطنبول، ولا أن يكون بين وزراء أربعة كانوا مدعوين إلى الاجتماع، على الرغم من أنهم ليسوا عرباً من قريب ولا من بعيد!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"