ترامب قرب النهاية

04:35 صباحا
قراءة 4 دقائق
عبدالله السناوي

مذكرات بولتون حول ترامب أقرب إلى مرآة لمدى التخبط والعشوائية في صناعة القرار الأمريكي، وكلاهما (ترامب وبولتون) تصعب نسبته إلى أي نسق أخلاقي متماسك.

إذا ما أجريت الانتخابات الأمريكية الآن فسيخسرها الرئيس الحالي دونالد ترامب بفداحة، وفق استطلاعات الرأي العام، لكن الحساب الأخير يظل مرتهناً بما قد يحدث من تطورات وحوادث في الأشهر القليلة المتبقية حتى مطلع نوفمبر المقبل.

في أوضاع قرب النهاية يتصرف ترامب غير واثق بنفسه، على الرغم من الكتلة التصويتية التي تسانده تقليدياً، تفلت عباراته وتحرشاته الإعلامية من كل قيد، كأنه في حلبة ملاكمة مفتوحة من تلك التي اعتاد المشاركة فيها ببرامج تلفزيون الواقع.

لم يكن الاستنتاج الرئيسي في مذكرات مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، بعدم صلاحيته للرئاسة مفاجئاً لأحد، بقدر ما كان تأكيداً لحقيقة متداولة، لكنها جاءت هذه المرة من داخل غرف البيت الأبيض، وفق المثل العربي الشهير «وشهد شاهد من أهلها».

مذكرات بولتون عن فترة عمله في البيت الأبيض أقرب إلى مرآة لمدى التخبط والعشوائية في صناعة القرار الأمريكي. كلاهما (ترامب وبولتون) تصعب نسبته إلى أي نسق أخلاقي متماسك، أو قيمة إنسانية يعتد بها.

أولهما يميني شعبوي براجماتي يتصرف كمقاول عقارات لا كرجل سياسة يتولى مسؤولية القوة العظمى الأولى. وثانيهما ينتمي بأفكاره وتجاربه إلى صقور الحرب في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، الذين خططوا لتحطيم العراق بالغزو المسلح عام 2003، وتفكيك جيشه، وإثارة النعرات الطائفية فيه طلباً لإعادة هندسة الشرق الأوسط من جديد، لكي تكون «إسرائيل» مركز قيادة تفاعلاته.

إذا ما قال بولتون إن ترامب لا تتوافر فيه مقومات القيادة، ولا توجد لديه أي استراتيجية في إدارة الملفات الدولية، ومعلوماته الجغرافية والاستراتيجية تقارب الفضائح المخجلة، فهو لا يفتري ولا يكذب.

وإذا ما قال ترامب إن مستشاره السابق «مهووس بالحرب»، ولا يصلح لأن يتولى أكثر المواقع حساسية وخطورة في البيت الأبيض، فهو يلامس حقيقته على الرغم من أنه اختياره.

بأي مراجعة موضوعية لقدرات وكفاءات الذين تولوا المنصبين الرئيسيين في البيت الأبيض منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الرجلين يحتلان أسفل السلم بلا منازع.

السياق العام قرب الانتخابات الرئاسية أضفى على مذكرات بولتون دوياً يفوق قيمتها، كأنها ضربة معول من داخل صفوف اليمين الأمريكي المتشدد لفرص ترامب الانتخابية.

في السياق تتبدى أزمتان كبيرتان زعزعتا على التوالي المركز الانتخابي لترامب.

الأولى جائحة «كورونا» وما تبدى فيها من فشل ذريع في إدراك خطورتها، أو التصرف بمسؤولية وكفاءة تجاهها، فاحتلت الولايات المتحدة المركز الأول عالمياً في عداد الإصابات والوفيات. والثانية مقتل المواطن الأسود جورج فلويد والتداعيات الصاخبة التي هزت الولايات المتحدة من أعماقها، وتمددت احتجاجاتها إلى عواصم أوروبية عديدة، كأنها استفتاء مزدوج على العنصرية المتجذرة، وأهلية رجل بمواصفات ترامب لقيادة العالم الغربي.

قبل الأزمتين كان شبه مؤكد تجديد ولاية ترامب لفترة ثانية، بالنظر إلى أن منافسه الديمقراطي جو بايدن يفتقد أي كاريزما أو قدرات خاصة.

حسب شهادة بولتون، فترامب مستعد لأن يعمل أي شيء للبقاء في مقعده الرئاسي، ولو أن الأمر بيده لأجرى تعديلاً دستورياً يسمح له بمثل هذا البقاء، كما أخبر الرئيس الصيني شي جين بينج.

بتداعيات «كورونا» اختلفت الصورة بحثاً عن ذريعة يبرر بها فشله في إدارة الأزمة، تصاعدت حملاته على الصين حتى وصل إلى حد التلويح ب«انفصال اقتصادي كامل»، على الرغم من أنه يدرك أنه خيار شبه مستحيل، بالنظر إلى قدر تداخل المصالح بين أكبر اقتصادين في العالم.

انقلاباته المفاجئة لم تعد تدع مجالاً لأي مفاجأة، فكل شيء ممكن ومتاح، بقدر ما يساعد في دعم حملاته الانتخابية المتعثرة. هكذا أبدى استعداده للقاء الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي يناصبه العداء بالحصار الاقتصادي ومحاولات الاغتيال، وسحب اعتراف بلاده بزعيم المعارضة خوان جوايدو، الذي جرت جهود مضنية لفرض الاعتراف به رئيساً شرعياً للبلاد. وبالنسبة لبولتون، فإن الحرب اختياره الأول، وفق نظرة إلى العالم تراه خاضعاً تحت سطوة القوة الأمريكية. وبالنسبة لترامب، يمكنه أن يفعل الشيء وعكسه حسب توقعات الربح والخسارة.

إذا ما أصبح بايدن رئيساً فستطوى أكثر صفحات التاريخ الأمريكي المعاصر فوضوية وتخبطاً، دون أن يعني ذلك بالنسبة لنا في الإقليم المشتعل بالنيران تحولاً دراماتيكياً في الملفات الرئيسية، إلا بقدر ما نبديه من إرادة وهمة في الدفاع عن مصالحنا.

في غضون الأشهر القليلة المقبلة لا يستبعد إقدام ترامب على تصرفات وقرارات مفاجئة في ملفات الإقليم الذي يبدو كبطن رخو يسهل ضربه دون تكاليف باهظة.

بين أكثر الأسئلة إلحاحاً في هذه اللحظة القلقة: ما حدود التفاهمات المعلنة وغير المعلنة بين واشنطن وأنقرة في الأزمة الليبية والصراع على الغاز شرقي المتوسط؟ وما حدود التفويض بالتغول في الأزمتين السورية والعراقية؟

وبين أكثر الأسئلة إلحاحاً: ما الدور الذي يمكن أن يضطلع به البيت الأبيض في ظروفه الحالية في حلحلة أزمة «سد النهضة» للحيلولة دون تفجرها؟

لا يخفى حجم التناقض في النظر إلى أزمة «سد النهضة» داخل الإدارة الأمريكية نفسها، بين وزير الخزانة ستيفن منوشين الذي أشرف على مفاوضات واشنطن بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا، وتوصل إلى مشروع اتفاق للتوقيع عليه في فبراير الماضي، ووزير الخارجية مايك بومبيو الذي شجع الإثيوبيين على عدم التوقيع، بذريعة أن المفاوضات ما زال أمامها شوط طويل!

ثم قد يجد ترامب نفسه أمام أزمة متفجرة بحمولاتها الاستراتيجية والتاريخية والأخلاقية خلال أيام، إذا أقدمت «إسرائيل» على ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"