«الماندالا» والسرد

03:41 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود


«الماندالا»، هي مجموعة من الرموز في الحضارة الهندية القديمة، استخدمت لتعبر عن صورة الكون، وهي في اللغة السنسكريتية القديمة تعني الدائرة، وكذلك هي رسم طقوسي يمارسه الرهبان ويقوم على النقش الدقيق المتوازن، ويمكن تنفيذه بعدد من الأساليب والوسائل، مثل الرسم على الجدران أو المخطوطات أو الأحجار، وكذلك عبر النحت على الخشب، وفي الآونة الأخيرة؛ غادرت الماندالا مربعها الطقسي، وتحولت إلى فن إبداعي مستقل، إذ صارت تحتل مكانتها وسط الفنون التشكيلية.

بدأ فن «الماندالا»، يتسلل إلى أنماط إبداعية أخرى مثل السرد، حيث تتم محاكاة أسلوبيتها في الأعمال السردية التي تجنح نحو الغموض، ولئن كان للوحات «الماندالا»، معنى خارجي واضح، وآخر سرّي يحتاج إلى تجربة بصرية لكشف غموضها وأسرارها؛ فإن الرواية التي تكتب على طريقة «الماندالا»، تعتمد على ذات الأسلوب، فالقصة قد تبدو عادية، لكنها محتشدة بالأسرار والمعاني المواربة والغامضة، التي تحتاج بالفعل إلى قارئ ذكي يفكك ما بين السطور ويستخرج المعاني، حيث ينهض البناء الدرامي على دوائر وطبقات متشعبة من الأسئلة والمفاهيم والمعاني الفلسفية والروحية.

الروائي الإيطالي «أنطونيو تابوكي»، كتب آخر أعماله «إيزابيل»، على طريقة «الماندالا»، عبر صنع دوائر متقاطعة، بحيث أن كل دائرة هي بمثابة فصل أو حكاية مستقلة، لكنها تتكامل مع بقية الفصول والحكايات والخيوط في رسم اللوحة العامة؛ أي قوام الرواية، وكذلك فعل روائي إيطالي آخر «باولو كونيتي»، في روايته «الجبال الثمانية».

وهنالك عدد من الروائيين الشباب في العالم العربي استهوتهم عوالم «الماندالا»، فنسجوا أعمالاً سردية على منوالها، على نحو ما فعل الروائي الأردني مخلد بركات، في عمله السردي الذي أطلق عليه اسم «ماندالا»، ويتناول فيه الظلم والوحشة التي يعيشها الإنسان في أكثر من بيئة، وتطل على عوالم الفقد والضياع والموت، حيث إنها تقترب من عوالم الألغاز والأسرار في أكثر من بيئة إنسانية، عبر سردية تتسم بالعمق الفلسفي، وكذلك فعلت الروائية منال محمد رضا في روايتها التي أطلقت عليها هي الأخرى اسم «ماندالا»، حيث مارست ذات فكرة السرد الذي يقوم على دوائر منفصلة ومتشعبة تشكل مجتمعة حكاية الرواية.

لطالما عرفت الرواية العربية النزوع الأسطوري، وتناول الغرائبيات والعجائب، وهو أمر متعلق ببيئة الشرق، الذي تسود في تراثه القديم، الميثولوجيات والسحر، وهو الشيء الذي أكسب الأعمال السردية العربية قيمة وميزة خاصة، وعبر «الماندالا»، فإن الروائيين يعملون على توظيف صور متنوعة من الخيال لجعل عملهم السردي ينسجم مع الواقع، برافعة الفلسفة والفكر، فالرواية على طريقة «الماندالا»، هي دعوة للتأمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"