الإمارات تقرع باب المريخ!!!

03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. نسيم الخوري

عوّدتنا الإمارات العربية المتحدة على مفاجأتنا ببرامج الأضواء الساطعة في عتمات شاسعة من حولنا.

سألتني زوجتي الدكتورة مي: لماذا تضع ثلاث علامات تعجّب بعد عنوانك؟ قلت: لكثرة الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجّب التي أمطرني بها طلاّبي، بعدما شرحت لهم أنّ الإمارات العربية المتّحدة سبرت الفضاء، وهي تسجّل إنجازاً عربيّاً مميّزاً، وحدثاً لا يعلم به معظمهم، ولم يتابعوه أو يلمّوا بتفصيلاته وأهميّته في هذه اللحظة الحضارية بالذات. العرب غارقون فرادى بأزماتهم، وتنطلق أول مهمة فضائية إماراتيّة إلى المريخ في إطار رحلة علميّة؛ لاستكشاف أجواء «الكوكب الأحمر»!!! احتفاءً بذكرى مرور خمسين عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.

استغرق بعضهم بدهشته، سائلاً: لماذا الإمارات تقرع باب المرّيخ؟ يمكننا الإجابة؛ لأنّ الإمارات موصولة أوّلاً بتواضعٍ كلّي بماضي العرب العلمي الثمين؛ عندما أقبل الغرب على شراء مخطوطاتهم العلميّة العربيّة، مقابل أوزانها ذهباً، ونسج حضاراته من بطونها؛ ولأن الإمارات مدركة أن هذا العصر المحفوف بمقتضيات العولمة وكشوفاتها له هوية لوغارتمية مدموغة بالتطوّر والتغيير والتجاوز. تلك الدمغة فجّرت وتفجّر أجيالاً لا تنتهي من المخترعات والبرامج الدقيقة في احتساب الثواني تبدو وكأنّها دهوراً تتفكّك بين الأنامل بعدما ترسّخت البشرية في عصر الرياضيات الحديثة، وهو ما تحفظه الإمارات بشغف، وتضيف بأنّنا أحفاد الخوارزمي علميّاً عنوان القرن ال21. ولأنّها، وهو الأهمّ، إمارات مسكونة بالماء والأحلام.

وللأحلام تذكيراً، تاريخ يجعلني أستدعي القائد الفرنسي نابليون بونابرت عبر بيتين عربيين من الشعر:

قالوا لنابليون ذات عشيّةٍ إذ كان في الأرض يرقب الأنجما

من بعد فتح الأرض ماذا تبتغي قال أنظر من أين تُفتتح السما

ومع الفوارق بين القيادات العسكرية والمدنيّة، تطلّ الإمارات ابنة الفضاء وفي كوكب المرّيخ بعدما قطعت اليابسة مع البشرية ثم عبرت المحيطات وهي تحقّق بالتعاون مع كبريات الحضارات عظمة الإنسان الذي يعود إلى عناصر وجوده الأربعة: تراب، ماء، هواء، نار.

فعلاً هذا إنجاز إماراتي يفرح به الجيل العربي المعاصر.

لماذا؟

لأن الأحلام كانت مقيمةً في تطلّعات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عبر مرسوم، بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء، وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، سمّي «مسبار الأمل».

ولأنّ الحاكم المسكون بالإنسان تنفتح الآفاق أمامه على مصراعيها، ليخطو بأحلامه وأفكاره أمام العصور مصادقاً الزمان والضوء في سرعته الكبرى. تراه مواكباً الاختراعات متفحّصاً مئات الفتوحات العلميّة يضعها بين أيادي شعبه. كلّ صباح حلم يتحقّق؛ حيث لا مهابة ولا حيرة أمام أي دولة كبرت أو صغرت. المقعد محجوز. عوّدتنا الإمارات العربية المتحدة على مفاجأتنا ببرامج الأضواء الساطعة في عتماتٍ شاسعة من حولنا. هي تقرع، إذاً، أبواب المريّخ مشاركةً رسميّاً بالسباق العالمي في الفضاء الخارجي ثماني دول أخرى.

لقد تغيّر وجه الدنيا وتراكمت التجارب؛ بهدف الشهادة على رقي الإنسان. لا حيّز في العالم للمستهلكين والمندهشين والمصفّقين وكتبة القصائد سواء أكانوا أفراداً أم دولاً إن لم يكونوا أبناء الرغبة في الكشف عن عالمٍ متعطّش دوماً إلى الكشف.

إنّ اهتمام الإمارات العربية المتحدة بعلوم الفضاء والفلك يعيدنا إلى سبعينات القرن الماضي؛ عندما التقى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع فريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة أبولو إلى القمر. شكّل اللقاء حافزاً قويّاً لتوجيه اهتمام الإمارات بالفضاء منذ ثلاثة عقود، مما ولّد قطاعاً خاصّاً بالفضاء؛ عبر تأسيس شركة الثريا للاتصالات في إبريل/نيسان 1997، ثمّ أسّس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة التي تهدف إلى تعزيز علوم الفضاء والأبحاث العلمية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، وبعد عشر سنوات تمّ تأسيس شركة الياه للاتصالات الفضائية (ياه سات) ليتمّ دمج المؤسستين بعد ال2015.

صحيح أنّه تمّ إرسال بذور من شجر النخيل إلى محطّة الفضاء الدولية، والصحيح المضاعف كامن في هذه المهمة من بناء موارد بشرية إماراتية في تقنيات الفضاء، والإسهام المعرفي والأبحاث العلمية الفضائية التي تنفع البشرية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء، بما يعزّز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة والعرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"