العرب إلى الكوكب الأحمر

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

إنها بشرى انتقال العرب من الثرثرة الكلامية على الأرض إلى الفعل العلمي على كوكب آخر.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى كأنه إحدى صرعات الخيال العلمي. لكن المعلومات المتوافرة والموثقة تدفع المرء إلى تقبّل الأمر بجدّية وبهجة. أقول بهجة؛ لأنها قليلة بل نادرة هي الأخبار والأحداث الباعثة على الفرح في دنيا العرب في هذا الزمن الرديء، خصوصاً بعد استشراء جائحة «كورونا».

المعلومة، إذاً، صحيحة: ثمة مهمة فضائية رائدة تنهض بها الإمارات العربية المتحدة، محورها إطلاق مسبار «الأمل» الآلي من دون طيار من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني، في إطار رحلةٍ لاستكشاف كوكب المريخ.

أكثر من ذلك، إطلاق مسبار «الأمل» محطة جديدة ضمن برنامج الفضاء الإماراتي الطموح الذي يهدف إلى بناء مستوطنة بشرية على المريخ خلال المئة عام المقبلة.

البرنامج الفضائي الطموح ليس مجرد مشروع على الورق؛ إذ قامت دولة الإمارات بتوظيف مجموعة من المهندسين والتقنيين منذ العام 2017، من أجل تصوّر كيف يمكن أن تبني مدينة على الكوكب الأحمر، ومن ثم تباشر بإنشائها في صحراء الإمارة باسم «مدينة المريخ للعلوم»، بتكلفةٍ تبلغ 135 مليون دولار، كما يقول مصدر في مركز محمد بن راشد للفضاء الذي يقود مهمة استكشاف المريخ.

مسبار «الأمل» ليس أول نشاط فضائي إماراتي. فالإمارات كانت أطلقت أقماراً اصطناعية في الفضاء للاتصالات وجمع المعلومات، ولديها خطط لإطلاق ثمانية أقمار أخرى في السنوات المقبلة. إلى ذلك، أصبح هزاع المنصوري في سبتمبر/ أيلول الماضي أول رائد فضاء إماراتي ضمن فريق مكوّن من ثلاثة أفراد انطلقوا من مركز علمي في كازاخستان نحو محطة الفضاء الدولية، مسجلاً بذلك سابقة أول عربي يزور تلك المحطة الفضائية الدولية.

من الواضح أن الإمارات جادّة في تنفيذ مشاريع ريادة الفضاء وكواكبه القريبة والبعيدة. فالفضاء بحسب المدير العام لوكالة الإمارات للفضاء محمد الأحبابي «مهم للغاية من أجل تنميتنا واستدامتنا؛ لأنه جسر إلى المستقبل». ليس أدل على ذلك من أن الإمارات تقوم بالاستثمار في قطاع الفضاء لأكثر من 15 سنة. مسبار «الأمل»، تقول وزير الدولة للتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات سارة الأميري «هو رسالة أمل للمنطقة».

الإماراتيون منهمكون هذه الأيام بإنجاح المهمة الفضائية غير العادية المنوطة بمسبار «الأمل» الذي يصل إلى هدفه بالتزامن مع احتفالات الإمارات العربية المتحدة بمرور 50 عاماً على قيام الدولة الموحدة. «إطلاقه لخطة فاصلة بين تاريخين: 50 عاماً مضت و50 عاماً آتية»، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

مهمة مسبار «الأمل» طويلة ومعقدة. رحلته إلى المريخ ستستغرق سبعة أشهر يقطع خلالها نحو 490 مليون كيلومتر، ويبقى في مداره سنة مريخية كاملة، أي 687 يوماً، تبثّ خلالها تقنية مثبتة فيه صورة كاملة عن أجواء الكوكب الأحمر، كما تقيس الغلاف الجوي السفلي، وتحلل هيكل درجة الحرارة. ويقوم أيضاً جهاز تصوير عالي الدقة بتوفير معلومات عن مستويات الأوزون. وثمة تقنية ثالثة هي مقياس فوق بنفسجي؛ لقياس مستويات الأوكسجين والهيدروجين من مسافة تصل إلى 43000 كيلومتر من سطح الكوكب الأحمر.

الحقيقة الجوهرية المستخلصة من هذه المهمة الفضائية الرائدة التي يضطلع بها مسبار «الأمل» هي أن ثمة طرفاً عربياً جاداً ينخرط في الحاضر باعتمادٍ وثيق على العلم والتكنولوجيا من أجل بناء المستقبل وتأمين إسهام حضاري وازن للبشرية جمعاء، بما فيها «البشرية العربية» بطبيعة الحال!.

إنها بشرى انتقال العرب من الثرثرة الكلامية على الأرض إلى الفعل العلمي على كوكب آخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"