أيقونة النضال العربي

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. فايز رشيد

68 عاماً مضت على ثورة يوليو المجيدة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وبعض زملائه من الضبّاط الأحرار. إن روح الثورة ومبادءها لا تزال حاضرة في أذهان الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وفي العديد من الدول كآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية فتأثيراتها الموضوعية، لم تقتصر على مصر والوطن العربي فحسب، بل امتدت إلى دول عديدة. كثيرون من الكتّاب والمحللين والسياسيين أطلقوا على ما جرى في 23 يوليو 1952انقلاباً! وهذه التسمية خاطئة شكلاً ومضموناً، ذلك أن شكل الحكم وبنيته اختلفا عمّا كان قبل يوم الثورة، كما أن المضمون أيضاً اختلف، فإذا كان العهد السابق لثورة الضباط الأحرار تميز بالإقطاع، فإن ما بعد الثورة تميز بتوزيع الأراضي على الفلاحين بعد مصادرتها من الإقطاعيين.
وبعد أن كان التعليم مقتصراً على النخب، أصبح في عهد عبد الناصر مجانيّاً لكل المصريين، وكذلك هو الحال في الحقل الصحي وفي مختلف القضايا الحياتية. إن من أكبر إنجازات ثورة 23 يوليو تأميم قناة السويس، فقد كانت حكراً من حيث الحقوق على الدول الاستعمارية. التأميم سبّب لمصر العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الصهيوني، الذي أفشلت مصر أهدافه، وتحت وطأة المقاومة المصرية والضغوط الدولية وقرارات الشرعية الدولية، اضطرت الدول الغازية - دول العدوان - إلى سحب قواتها من سيناء، ومن على جانب ضفتي القناة، ومن مدن بورسعيد وبور فؤاد وغيرهما.
عبد الناصر بنى جيشاً وطنياً، وهو الذي صنع الوحدة بين مصر وسوريا في عام 1958، والتي كانت تجربة فريدة في الوطن العربي. تآمر المتآمرون من القوى الخارجية والداخلية على الوحدة، وللأسف كان الانفصال في عام 1961. المتآمرون من القوى الاستعمارية (وعلى الأخص دولة الكيان الصهيوني) لا يريدون وحدة الوطن العربي، من أجل أن يظل مجزّءاً، ضعيفاً، متفرقاً. فهم يريدون تفتيت الأقطار العربية من داخلها، ولذلك يُشعلون نيران الطائفية والإثنية والإقليمية البغيضة في داخل البلد العربي الواحد. عبد الناصر ومنذ الثورة رسم أسس السياسة الوطنية التقدمية لمصر، ولا تنسى الشعوب العربية وقفة مصر إلى جانبها في طريقها إلى الاستقلال والحرية، إذ قدم المصريون خيرة أبنائهم شهداء في أكثر من بقعة عربية.
عبد الناصر ومنذ الثورة رسم أسس السياسة الوطنية التقدمية لمصر، على الصُعُد الثلاثة: العربية، والإقليمية، والدولية. عربياً من خلال مناصرة الشعوب العربية في تصفية بقايا الاستعمار والتحرر، ومناصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتصدي لدولة الكيان الصهيوني ومؤيديها من الدول الغربية، وهو أحد القليلين ممن رسموا سياسة عدم الانحياز، وهو من المؤسسين لهذه الحركة في مؤتمر باندونج، وهو من أشد المناصرين للشعوب الإفريقية في نضالاتها وكفاحها للتحرر من مستعمريها، وكذلك الأمر لحركات التحرر في آسيا وأمريكا اللاتينية.
على الصعيد الدولي لم تتبع مصر قطباً دولياً من القوتين الكبريين في مرحلة الحرب الباردة آنذاك، وإن تميزت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية بالإيجابية، وهي التي كسرت احتكار السلاح، وأسهمت في التنمية المصرية، وخططها التصنيعية الطموحة. الاتحاد السوفييتي ساعد مصر في بناء السد العالي بعد رفض الولايات المتحدة والبنك الدولي والدول الغربية الأخرى تمويل بنائه، فالسد وفقاً للخبراء العرب والأجانب هو من أنقذ مصر من كوارث حتمية مثل الجفاف والتصحر، وقلة مياه الشرب، وهو الذي أنقذ الزراعة المصرية، ولا سيما القطن، وهو المنتج الأساسي لمصر.
حقق عبدالناصر مبدأ العدالة الاجتماعية بين المصريين، وقضى على الاحتكار ورأس المال، ووقف ضد الاستعمار الذي تآمر عليه، وحاول التخلّص منه. ساند الثورة الجزائرية، وكانت مصر في عهده محجّة للأحرار. لا نقول: إن عبدالناصر بلا أخطاء، فهو أولاً بشر، لكنه كان وطنياً قومياً عربياً وإنسانياً بامتياز. بعد وفاته انقلب من خلفوه عليه، وحاولوا تبهيت منجزاته التي ستظل منارة هادية للشعب المصري والأمة العربية، وبخاصة جيل الشباب الحالي والقادم. فتجربة ثورة يوليو ستظل على مدى التاريخ مدرسةً وطنيةً تقدّميّة للأجيال العربية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"