بورتريه ذاتي

02:25 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

لماذا يرسم الرسام وجهه؟ وهل في ذلك الأمر ما هو أبعد من مجرد عمل فني؟ فالكثير من الرسامين العالميين قاموا برسم بورتريهات لوجوههم، بل إن بعضهم قام بإعداد أكثر من لوحة ذاتية، وذلك من خلال زوايا متعددة، وكأن الفنان في تلك اللحظة الرهيبة التي ينهمك فيها برسم وجهه وإبراز كل تفاصيله، والخطوط المتباعدة، إنما يريد أن يصدر ما في داخله من خلال الوجه، فهي لحظة يتحدث فيها الفنان عن نفسه ليعكس روحه للآخرين في مختلف مشاعره، ولئن كان الروائي أو القاص أو الشاعر يستطيع أن يعبر عن ذاته بالكلمات، فإن الرسام يفعل ذات الشيء بضربات الفرشاة، ولعبة الألوان من فاقعة وداكنة، ومن خلال الإضاءة والظلال، وإبراز أدق الخلجات والتعبيرات الدالة على الذات، ليصبح العمل مرآة الروح، كما أن بعض الفنانين قد قصدوا من البورتريه، إبراز الحالة المزاجية في لحظة معينة.
انتشر فن البورتريه الذاتي في منتصف القرن 18، ولكنه فن قديم، يعرف بأنه تمثيل الرسام لنفسه عبر الرسم أو التصوير أو النحت، وقد تفنن الرسامون في ذلك، واستخدم بعضهم المرآة لإظهار ملامحه بدقة مثل: الهولندي، «يان فان إيك»، «1330 1390»، والألماني «آلْبْرِخْت دورِر»، «1471 1528»، وهنالك الإيطالي «ماتسولا»، الشهير ب«بارميجانينو»، «1503 1540م»، صاحب اللوحة الشهيرة «صورة ذاتية على مرآة محدبة»، وقيل إن الفنان الكبير «ليوناردو دا فينشي»، رسم بورتريه لنفسه في عمر الستين، عام 1512، لكن لم يتم التأكد من نسب اللوحة إليه.
ولكن هنالك فنانين عالميين اشتهروا برسم ذواتهم في مراحل عمرية مختلفة، ومنهم الهولندي «رامبرانت»، «1606 1669»، وقام برسم سلسلة بورتريهات ذاتية، كانت بمثابة سيرة ذاتية مكتوبة بالألوان، وقد ساعده في ذلك الأمر ثقافته الواسعة، ومعرفته العميقة بفلسفة الظلال والضوء، وكذلك فعلت الفنانة الفرنسية «إليزابيث لويز فيغ لوبرون»، والتي أنجزت لنفسها نحو 37 «بورتريه ذاتياً»، والواقع أن هنالك العديد من الرسامات اللواتي اشتهرن ونذكر: «كاثارينا فان هيمسن»، و«فريدا كاهلو»، و«أليس النيل»، و«باولا مودرزون»، و«جيني سافيل».
وبالطبع، فلا يمكن الحديث عن بورتريه الذات دون المرور بتجربة فنانين معروفين، كان لهما تأثير كبير في المدارس الفنية، وهما: الهولندي «فان جوخ،» 1853 -1890، ورائد التكعيبية الإسباني «بابلو بيكاسو»1881 1973، فالأول من أكثر الرسامين الذين صوروا ذاتهم، حتى بلغ عدد لوحاته 37 وأشهرها لوحة «فان جوخ بدون خبز»، وأهداها لأمه في عيد ميلادها، بينما قدم بيكاسو لوحات ذاتية بأساليب فنية مختلفة، وأشهرها تلك التي رسمها عام 1901، وتحمل عنوان «لوحة ذاتية»، وهي من أهم أعماله الفنية.
وعلى الرغم من اشتهار الفنانين الغربيين بهذا الفن، لكن البورتريه الذاتي عرف في الفن الآسيوي قبل أوروبا بتاريخ طويل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"