صدمات وغرائب زمن «كورونا»

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

يبدو أن عام ٢٠٢٠ يأبى أن يمنحنا أي أمل في انقشاع الغمة، ويصر على أن يتبوأ مكانة متقدمة على خريطة الأعوام الأكثر قتامة في التاريخ الإنساني، ولَم يكفه أنه العام الذي قُطّعت خلاله أوصال الكوكب، والعلاقات الإنسانية، وفرض علينا خلاله «كورونا» التباعد الاجتماعي والعزل والانعزال الإرادي، واللاإرادي، وأغلقت الدول أبوابها على أنفسها، ولَم تعد تستطيع أي دولة الإطلال على العالم الخارجي إلا عبر أقمار ووسائل الاتصال والتواصل والإعلام، وتحملت دول عدة، انحدارات وانهيارات اقتصادية؛ بعد كل هذا انتظرنا أن يتم الإعلان عن وصول اللقاح إلى الناس في سبتمبر/ أيلول، كما وعدونا سابقاً، إلا أن منظمة الصحة العالمية صدمتنا قبل أيام بعدم انتظار لقاح قبل الربع الأول من عام ٢٠٢١، فيما أكد اختصاصيون أن لا لقاح إلا في منتصف العام المقبل.
كلام المنظمة العالمية والاختصاصيين، يعني أن علينا أن نواصل الحياة وسط العتمة، والخوف، والتوجس، ما يزيد على عام، وأن نستمر في ضياع ولا يقين رغم الماراثون الذي تتنافس خلاله العديد من دول العالم على أسبقية الوصول إلى المصل الأمل لمليارات الكوكب، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من 160 لقاحاً لفيروس كورونا قيد التطوير حالياً، 25 منها فقط وصل لمرحلة التجارب على البشر، ومع ذلك لن يكون أي منها جاهزاً إلا في ٢٠٢١.
الغريب أنه كلما تسرب أمل سرعان ما تأتي الحقائق الصادمة، التي تستبدل به اللاأمل، فبعد أن عادت الحياة تدب في أرجاء الكون، وبعد أن بدأت الطائرات تملأ الفضاء، وبعد أن بدأ الناس يخططون للسفر والتنقل قبل أن ينتهي الصيف، وقبل أن تأتينا الموجة الثانية من كورونا في الخريف، كما أعلن سابقاً أهل الاختصاص، فوجئنا بالموجة الجديدة من الفيروس اللعين تباغت البشرية، وتهرول إلينا قبل أن ينتهي الصيف، لتعلن العديد من الدول العودة لفرض قيود جديدة، واتخاذ إجراءات احترازية ووقائية لمنع انتشار الفيروس ثانية، وفوجئنا بأن عدّاد الإحصاء ازداد بسرعة ليزداد المصابون مليوناً كل أقل من أربعة أيام، وبعد أن كان الخطر يهدد كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة فقط، أصبحت جميع الأعمار في مرمى الإصابة والخطر.
وبسبب «كورونا»، تدور معارك كلامية واتهامات متبادلة بين دول، وجيران، يحمّل كل منهم الآخر المسؤولية عن بؤر للوباء ظهرت في هذه الدولة، أو تلك.
الغريب أننا لم نتعلم من الدرس، ولَم يغير «كورونا، في معظمنا شيئاً، وبقي حالنا على ماهو عليه، ففي البداية توهمنا أن البشرية ستتوحد لمواجهة هذا الوباء الذي لا يفرق بين الناس لا على أسس دينية، ولا عرقية، ولا اقتصادية، ولا سلطوية، ولا اجتماعية، إلا أننا فوجئنا بالعكس حيث زادت الفتن، وتأججت الصراعات، وازداد الإرهابيون إرهاباً، والطامعون طمعاً، والمستشرسون استشراساً.
وجدنا حولنا جيراناً يتساقطون، وأقارب يتألمون، وأعزاء يعانون، ورغم ذلك لم نتعلم شيئاً، ولَم نلتزم باتباع أساليب الوقاية التي تحمينا، وتقي أحباءنا من الموت، أو ذل وألم المرض، بل عجزنا عن الالتزام بوضع كمامة إلا بعد أن فرضت علينا، وارتديناها ليس خوفاً على أنفسنا، ولكن خوفاً على جيوبنا من غرامة ندفعها، وسعى كثيرون للانفلات وارتكاب ما يصيب العشرات، سواء بالذهاب إلى الحدائق العامة، أو حمامات السباحة، أو تنظيم حفلات يخرج معظم المدعوين منها حاملين للفيروس.
التصرفات الغريبة والسلوكات المنفلتة ليست قصراً على جنسية، أو عرقية معينة، ولكنها سمات بشرية سمعنا عنها في المشرق، كما في المغرب، ليتأكد لنا أن الإنسان بطبعه متمرد ومنفلت، ويلزمه دائماً ولي أمر يوجهه ويفرض عليه ما يحميه، ويحمي المجتمع.
كثيرة هي الدروس التي ينبغي أن نتعلم منها، وإصرارنا على عدم التعلم سيجعلنا أول الدافعين لأثمانه الباهظة التي تصل إلى فقدان الحياة، أو التسبب بفقدان أحباء لنا، والالتزام والانضباط لن يكلفنا شيئاً، وليتنا جميعاً نسلك طريق السلامة، بدلاً من طريق الندامة.
نحمد الله أن الإمارات، وجميع دولنا العربية، أفضل حالاً من دول عدة كنّا نتخيلها قوى كبرى قادرة على مواجهة التحديات، وفوجئنا بها فريسة سهلة لهذا الفيروس الذي ساهم في انتشاره داخلها، التخبط في القرار السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"