انطباعات عن مأساة بيروت

02:46 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناصر زيدان

نقلت الصور الحية مأساة بيروت الناتجة عن الانفجارات الغريبة التي حصلت عصر أمس الأول، الثلاثاء، لكن الصور وحدها لا تعبر عن هول الكارثة، ولا عن تفاصيل ما جرى، ولا عن أسبابه، ولا عن الأضرار النفسية المهولة التي أصابت القاطنين في بيروت، ومحيطها، ذلك أن مشاعر الصدمة والحيرة فاقت كل تصور، حتى أن اللبنانيين جميعاً في كل المناطق سمعوا وعاشوا ما حصل، واهتزت منازلهم، إذا لم تكُن قد سقطت على الأرض.
نحن نقطن على بعد أربعة كيلومترات من مكان الانفجار، عشنا دقائق لا توصف، كنا متأكدين خلالها أن البناء المؤلف من عشرة طوابق سينهار بنا حُكماً. ارتدادات غريبة خلخلت الأبواب، والشبابيك، وتحطمت السيارات في الخارج، وعندما بدأت تتكشف ملامح الكارثة، انشغلنا، كما كل اللبنانيين في الداخل والخارج، بمحاولة الاتصال للاطمئنان على قريب، أو صديق، وأصابنا ضياع غريب لأننا كنا نعيش تعاطفاً مؤلماً مع الضحايا، ومع الجرحى، ومع الذين شُردوا من منازلهم المصدعة، ونشاهد صورًا لم نرها من قبل سوى في هيروشيما اليابانية في عام 1945.
وما يزيد من قساوة المشهد أنه حصل في وقت يعيش فيه لبنان انهياراً اقتصادياً، ومخاوف من ارتدادات أمنية لأحداث تجري في المحيط. والكارثة اللبنانية الجديدة زادت من الاختناق السياسي إلى حدود لا تطاق، حيث أججت مشاعر الامتعاض ضد كل أركان النظام القائم منذ الأمد البعيد، وحتى الحالي، وصولاً إلى الوزراء والقادة الحزبيين الذين يتحكمون في مفاصل اللعبة السياسية والأمنية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار المالي، قبل أن تصل إلى هذه النكبة الموصوفة، خصوصاً أن السبب الرئيسي للانفجار إهمال وظيفي واضح، بصرف النظر عما يمكن أن تثبته الوقائع من جراء التحقيق، لأن المواد التي انفجرت، وأدت إلى الزلزال المدمّر؛ سبق وتم تخزينها في مرفأ بيروت منذ ست سنوات، من دون أن تتضّح الجهة التي تملك هذه المواد، ولماذا احتفظ بها لبنان؟
من المؤكد، وفقاً لما سمعنا؛ أن الرأي العام اللبناني يُحمِّل الحكم، والحكومة، وكل القوى السياسية، المسؤولية عما جرى، مهما كانت الأسباب، أو المؤثرات التي أحاطت بجوانب الكارثة. وقد اهتزت الثقة بهؤلاء بالكامل، لأن المواطنين يشعرون بأن إدارة الدولة الحالية عاجزة، وغير مؤهلة لحمايتهم، وهي فرطت في رعاية مصالح اللبنانيين، وعرضتهم لأخطار أمنية ووجودية كبيرة، كما تركتهم فريسة للجوع، والعوز، والإذلال.
تغيرت معالم بيروت بالكامل بعد الانفجار، الكبير، خصوصاً في المناطق المحيطة بالمرفأ، وفي وسط المدينة التي أشرف على إعادة إعمارها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبدا ما حصل، أمس الأول الثلاثاء؛ كأنه انتقام جديد من المدينة.
لكن دعوة قوى سياسية وشعبية واسعة إلى إجراء تحقيق دولي بما جرى في بيروت، يؤكد الشكوك السائدة. ذلك أن الثقة مفقودة بالقيمين على أجهزة التحقيق الحكومية اللبنانية التي تتأثر بمراكز النفوذ في الدولة، وبالتالي قد لا تكون نتائج تحقيقاتها محل ثقة. ذلك يُشبه ما حصل قبل 15 عاماً عندما حصل الانفجار الكبير الذي استهدف الرئيس رفيق الحريري، وقامت بعض الأجهزة بإزالة معالم الجريمة من مكانها بعد وقت قليل من وقوع الانفجار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"