أبوظبي ومسيرة العطاء

03:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

لم يعد نجاح الدول في عالم اليوم يقاس بما لديها من جيوش؛ بل بما تملك من براءات اختراع ومن شركات رائدة. ذلك أن عالم اليوم يقوم على الابتكار والإنتاج، والدولة التي تنجح في امتلاك هذين السلاحين، فإنها تتحول إلى دولة ذات اقتصاد متطور.
وقد أصبح الابتكار والإنتاج مرتبطين ارتباط الروح بالجسد، فلا إنتاج من دون ابتكار، ولا ابتكار من دون بيئة تهيئ للعقول أن تفكر وتكتشف المجهول.
وقد لجأت دول كثيرة إلى ربط الابتكار بالمصنع كي يتم إخراج الإبداع من القوة إلى الفعل، وما نراه من عُدد وآلات متعددة الاستخدام، في مختلف المجالات، لهو دليل على نجاعة ربط الابتكار بالمصنع. وهناك دول جنت ثروات طائلة من خلال ذلك، وعلى رأسها جمهورية كوريا الجنوبية التي كانت حتى عهد قريب دولة فقيرة تنتمي لدول العالم الثالث، لكنها اليوم باتت دولة غنية بفضل لجوئها إلى ربط الابتكار بالمصنع، وباتت شركتها الرائدة «سامسونج» عنواناً للتفوق والنجاح.
وقد نجحت دولة الإمارات خلال السنوات الطويلة من عمر الاتحاد، في أن تحقق قفزة حضارية هائلة، وباتت تملك كل مقومات الدولة الناجحة في العالم. ولعل النجاح الأبرز يكمن في شركة «مبادلة للاستثمار» التي حققت حضوراً عالمياً لافتاً، وباتت استثماراتها تغزو العديد من دول العالم. وقد تم إنشاء هذه الشركة عام 2002، وكانت إحدى ثمار الرؤية الثاقبة للمغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أشرف على إنشاء هيكل حكومي متطور في دولة الإمارات العربية المتحدة، ووظّف عائدات الثروة النفطية لبناء بنية تحتية مستدامة. وفي عام 2017، تم دمج شركة المبادلة للتنمية، وشركة الاستثمارات البترولية الدولية «آيبيك»، لتتشكل شركة مبادلة للاستثمار، كشركة استثمارية عالمية عملاقة.
وفي عام 2018 انضم مجلس أبوظبي للاستثمار لشركة مبادلة، وأسهم ذلك في مضاعفة قيمة الشركة، وتعزيز محفظتها الاستثمارية العالمية المتنوعة، لتصبح مبادلة اليوم صندوق الثروة السيادي الثاني على مستوى أبوظبي، والثالث على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد قامت الشركة باستثمارات كبيرة في كل من قطاع الصناعات الثقيلة، والطاقة، والاتصالات، والبنية التحتية والطيران. وتتمثل مهمتها في تحقيق عوائد مالية مستدامة لأبوظبي والإمارات. وتعمل الشركة على إحداث تأثير إيجابي في المجتمع داخل الدولة وعلى مستوى العالم. فعلى المستوى المحلي، تلتزم الشركة بتحقيق الهدف الاستراتيجي للجهة المالكة، والمتمثل في بناء اقتصاد متنوع ومتكامل مع الاقتصاد العالمي. وعلى المستوى العالمي، توظف الشركة استثماراتها بشكل نزيه عبر العديد من الأصول، بمختلف درجاتها ومناطقها الجغرافية، لتحقيق أكبر فائدة ممكنة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وأبرز هذه الاستثمارات تمت في الإمارات، وفي الدول العربية، وسويسرا، وإيطاليا، ونيجيريا، وهولندا.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في كلمة بمناسبة صدور التقرير السنوي لشركة مبادلة، وذلك في 11 يونيو 2020: «إن التحديات التي تواجه المجتمعات اليوم تظهر بوضوح الدور المحوري الذي يقوم به المستثمرون العالميون، مثل: مبادلة، في إحداث التغيير الإيجابي من خلال الاستثمار محلياً وعالمياً؛ من أجل المساهمة في بناء مستقبل مستدام». وقال: «إن رؤيتنا المحلية للخمسين سنة القادمة أكثر طموحا؛ حيث نأمل في أن نرى مبادلة وهي تستثمر وتؤسس شراكات في أبرز المجالات التي تقود عمليات التنمية والابتكار على مستوى العالم».
ولا شك في أن مبادلة هي بمثابة درّة في تاج الإمارات وهي علامة على النجاح والتميز الذي حققته الدولة في عالم اليوم، فالمال هو عصب الحياة، ويعد، إلى جانب العلم، المحرك الأساسي للاقتصاد. وعندما تنجح أبوظبي في استخدام الثروة السيادية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة فهنا يكون النجاح الحقيقي، وتمثل شركة مبادلة إحدى أهم علامات الاستدامة، فهذه الشركة العملاقة التي تتنوع استثماراتها محلياً وعالمياً هي بمثابة نهر ثروة متدفق دائم، وبما يحقق الثبات والاستقرار للاقتصاد الإماراتي ويمنحه القوة والثقة لكي يتطور أكثر، حتى يصبح اقتصاداً متطوراً بكل ما في الكلمة من معنى.
إن مسيرة البناء والتنمية الشاملة التي بدأها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لم تتوقف؛ إذ قام أبناؤه البررة بالسير على خطاه، والتزام نهجه، وإضافة المزيد من الإنجازات إلى ما حققه؛ لتصبح دولة الإمارات مثالاً يفتخر به في شتى بقاع الأرض.
حفظ الله القيادة الرشيدة الحكيمة، وأدام على البلاد الخير والعز والعطاء ونعمة الأمن والأمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"