أهمية التطعيم

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة «كنجز كولدج لندن» ومؤسسة «ابسوس موري» للأبحاث وقياس الرأي العام أن حوالى نصف البريطانيين يترددون في تلقي تطعيم اللقاح المتوقع للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، وهو ما يشكل تحدياً أمام السلطات البريطانية عليها تجاوزه مع قرب التوصل للقاحات كي يمكن احتواء انتشار الوباء. وكي يعطي اللقاح أثره في حماية جماعة بشرية من وباء فيروسي، يتطلب الأمر تطعيم ثلثي السكان على الأقل.
ويختلف الموقف مع وباء كورونا عن بقية الأمراض الفيروسية الأخرى التي يتم التطعيم بلقاح مضاد لها، كالإنفلونزا الموسمية مثلاً. لذا تجد السلطات نفسها أمام مهمة خطرة وهي إقناع الناس بضرورة التطعيم، خاصة أن العالم كله يتسابق لإنتاج اللقاحات وتتنافس الدول على شراء الكميات التي تكفي مواطنيها حتى قبل بدء الإنتاج. صحيح أن بعض الناس لا تأخذ تطعيم لقاح الإنفلونزا السنوي، لكن البشرية بشكل عام راكمت مقاومة جماعية (أو مناعة قطيع كما تسمى إعلامياً) تجاه فيروسات الإنفلونزا العادية.
إنما أهمية التطعيم بلقاح فيروس كورونا تتجاوز الوقاية الفردية إلى المساهمة في وقاية المجتمع والبشرية عموماً. ومع أن المتوقع أن يسارع الناس للحصول على التطعيم باللقاح ما إن ينتج، في ظل الطلب الهائل عليه، إلا أن تردد البعض يجعل الأطباء يضاعفون من جهدهم لإقناع الناس بأهميته.
المشكلة أنه مع وباء فيروس كورونا انتشرت كمية هائلة من الخرافات ونظريات المؤامرة جعلت البعض يترددون في اتباع نهج العلم والعقل. وساهمت الإنترنت ومواقع التواصل في نشر تلك الخزعبلات والضلالات والدجل بين الناس، خاصة من يعتمدون في مصادر المعرفة والمعلومات على تلك المواقع بشكل رئيسي.
فهناك من ينكر الوباء من أصله، ويعتبره مؤامرة كي يتمكن «متنفذون عالميون» من السيطرة على البشرية. ورغم الشطط الهائل في ذلك، إلا أن ذهاب بعض أصحاب تلك المؤامرة لترويج أن شركة مايكروسوفت اخترعت الوباء كي يتم إنتاج لقاح يتضمن رقيقة كمبيوتر دقيقة تمكن الشركة من مراقبة البشرية كلها، وربما التحكم فيها ما اضطر بل جيتس إلى الرد على تلك الخزعبلات واصفاً إياها بالغباء.
هذا إلى جانب من يقولون بأن سبب الوباء ليس فيروساً كي نتلقح للوقاية منه، وإنما سببه نشر شبكة الجيل الخامس للموبايل. وهذا دجل لا يقل خرافة عن نظرية الرقيقة الدقيقة في اللقاح!.
هؤلاء قد لا يجدي معهم محاولات التوعية الصحية ورأي العلم الحقيقي بضرورة التطعيم باللقاح. إنما هناك فئتان من المترددين تجاه التطعيم واللقاح عموماً بحاجة فعلاً للتوعية وجهد من جانب الأطباء والسلطات الصحية لتوعيتهم.
الفئة الأولى هي تلك التي لا تثق بشكل عام في شركات الأدوية وتعتبر أن دافعها الرئيسي هو البزنس والأرباح، من دون أن تكون مقتنعة بنظريات المؤامرة بأن الفيروس تم تخليقه لأسباب اقتصادية تتعلق بترويج إنتاج لقاحات وعلاجات واستهلاكها. وطبيعي أن الشركات تستهدف الربح، لكن من المبالغة أيضاً تصور أنه لا توجد رقابة من سلطات وحكومات - وحتى رقابة ذاتية وأطر أخلاقية لدى الأطباء والعلماء الذين يعملون في تلك الشركات أو يتعاملون معها - تحول دون تغوّل تلك الشركات إلى هذا الحد.
ثم على هذه الفئة أن تتذكر كيف أن التطعيمات واللقاحات قضت على أمراض وبائية، أغلبها فيروسية أيضاً، على مدى عقود. ولولا اللقاحات والتطعيمات ما كانت تراجعت، وأحياناً اختفت، أمراض كالحصبة والسل وشلل الاطفال والدفتيريا وغيرها. ولعل في الجهد العالمي لتمويل أبحاث اللقاحات وشراء الحكومات لملايين الجرعات لتطعيم مواطنيها ما يطمئن تلك الفئة المتشككة في نوايا شركات الأدوية واحتمال تربحها من الوباء.
أما الفئة الثانية، فتلك التي تتخوف من تلقي أجسادها لقاحات هي عبارة عن فيروسات تم إضعافها معملياً لتمكن الجسم من تكوين أجسام مضادة تواجه الفيروس الوبائي في حالة الإصابة به. وهؤلاء في الأغلب لديهم وساوس مبررة علمياً، لكن يتعين طمأنتهم بأن التقدم العلمي في السنوات الأخيرة مكن الباحثين من تطوير لقاحات آمنة بشدة وبعضها حتى لا يحوي فيروسات مضعفة وإنما مركبات تستحث الجهاز المناعي للجسم لإنتاج مضادات محددة تستهدف جرثوماً بعينه (مثل بروتينات معينة مثلاً).
في النهاية، التطعيم بلقاح فيروس كورونا ضرورة للوقاية الفردية والجماعية فلا تهاون مع أهميته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"