المشيشي يكسر عصا الأحزاب

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال بالهادي

مقلّ في كلماته، موجز في خطاباته، يخاطب القوم بما يفهمون، هكذا يظهر هشام المشيشي، المكلف بتشكيل الحكومة التونسية التاسعة، بعد سقوط نظام بن علي؛ لكن وراء الاقتصاد في اللغة، رجل تبدو معالم طريقه واضحة، ومواقفه حاسمة، يدعو الناس إلى مساعدته؛ لكنه لا يريد السير في ذات الطريق التي سلكها أسلافه، والتي انتهت بهم إلى السقوط.
تكلّم هشام المشيشي مباشرة بعد أن كانت القنوات الإعلامية تنقل كلمة استقالة رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، والتي اتهم فيها زعماء الفساد بأنهم سبب خراب البلاد. هشام المشيشي وهو يقود مشاوراته السياسية، لا نعتقد أنّه يغفل ما يحدث حوله في المنطقة العربية، وخاصة في لبنان، الرجل الذي خبر الدولة التونسية طيلة وقت طويل، ويعرف جيّداً أنّ الفساد تنتجه الطبقة السياسية؛ لذلك كان موقفه حاسماً، في ما يتعلّق بطبيعة الحكومة التي ينتظرها التونسيون. إنّها حكومة تكنوقراط، لا تحوم حولها شبهات فساد، حكومة ستعمل على تلبية مطالب الناس البسطاء من قبيل الحق في الحصول على مياه الشرب، وهو الحقّ المثبّت دستورياً في تونس.
والأهمّ من هذا هو علو القانون وتطبيقه على الجميع ومن دون استثناءات. ويمكن هناك أن نقرأ أكثر من رسالة موجّهة للسياسيين الذين مجّهم المواطنون.
** الرسالة الأولى تتمثل في أنّ المشيشي قد كسر «عصا» الأحزاب، التي رفعت أمام كل رؤساء الحكومات السابقين، والتي جعلتهم مكبّلين، يديرون حكومات محاصصات حزبيّة شبيهة بحكومات العراق ولبنان التي تقوم أساساً على المحاصصة الطائفية، والنتائج كانت في الدول الثلاث متشابهة، وأهمها عدم الاستقرار السياسي؛ حيث قال المشيشي صراحة: إنّ «الأزمة بين الفرقاء السياسيين حادة، ولا يمكن أن تضمن استقراراً سياسياً للبلاد».
** الرسالة السياسية الثانية تتمثل في أنّ المشيشي، قد حسم أمره سياسيّاً، و يريد مواصلة المشاورات في نقطتين أساسيتين، أي بالملفّين الاقتصادي والاجتماعي، وهو هنا، يوجّه خطاباً صارماً، مفاده أنّ الملفّ السياسي مغلق، من يريد المساهمة بأفكار ذات طابع اقتصادي واجتماعي فهو مرحّب به وإلا فإنّ حكومة الكفاءات ستعمل على تنفيذ ما تراه صالحاً من برامج تحقق الحد الأدنى من مطالب المواطنين.
** الرسالة الثالثة، هو حديثه عن تطبيق القانون على الجميع ومن دون استثناء، وكأنه خطاب يمثل رجع صدى لمواقف الرئيس التونسي الذي كرر في الآونة الأخيرة، مقولة: علو القانون وضرورة تطبيقه على الجميع.
في كلمته المقتضبة، قال المشيشي: إنه سيشكل حكومة كفاءات، وهذا يعني رسالة إلى البرلمان وخاصة إلى الكتل التي ترفض هذا الأمر، وهي أساساً «النهضة» و«ائتلاف الكرامة» و«قلب تونس»، وهي الكتل التي رفضت تنحية الغنوشي من على رأس البرلمان، مفادها أنّه لا خيار أمامكم إلاّ التصويت؛ لنيل الثقة، وبالتالي الخضوع لهذا الخيار، وإما حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو الخيار الذي تخشاه الكثير من الجماعات السياسية؛ لأن صورتها في البرلمان قد تعرّت،
ولا يمكنها بالتالي الحصول على ذات المقاعد في أي انتخابات قادمة، وخاصة في مثل هذا الظرف الحالي.
واضح أن خيارات المشيشي لا ترضي الطرف «الإخواني» ومشتقاته، والحرب بدأت منذ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعضهم يقول: إن قيس سعيّد من خلال تكليف المشيشي يريد حلّ الأحزاب، وبعضهم الآخر يستنصر بصندوق النقد الدولي، ويقول: إنه لن يقبل بحكومة كفاءات وأنه مع حكومة سياسية (تقودها «النهضة» طبعاً)، ومجلس شورى «النهضة»، أصدر بياناً قال فيه: إنه مع حكومة سياسية، ذات حزام واسع. ما تبقى أمامه من مهلة دستورية سيرفع النقاب عن الأسماء المقترحة، وعندها فقط يمكن قراءة ما ينوي عليه الرجل، فقد يكون خطابه القصير مقدّمة لأمور عظيمة وخطرة سيقدم عليها، خاصة بعد أن كسب إلى جانبه رئيس الجمهورية بما يحظى به من قيمة اعتبارية، واتحاد الشغل القوة الاجتماعية الأكبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"