التكالب الإرهابي على إفريقيا

04:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

تصاعدت هذا الشهر حدة العمليات الإرهابية في إفريقيا من منطقة الساحل في الغرب إلى جنوب الشرق في موزمبيق، مهددة تنزانيا وجنوب إفريقيا. هذا طبعاً إضافة إلى العمليات المستمرة في منطقة القرن الإفريقي، وتحديداً في الصومال، وفي شمال إفريقيا وبؤرتها غرب ليبيا. إنما المثير أن العمليات الأخيرة التي نفذتها جماعات إرهابية تابعة لتنظيم «داعش» وتنظيم القاعدة، وجذرهما واحد هو جماعة الإخوان، استهدفت الفرنسيين والمصالح الفرنسية تحديداً.
يصعب طبعاً عدم الربط بين هذا التصعيد الإرهابي في إفريقيا، وموقف فرنسا ضد التدخلات التركية في المنطقة دعماً للميليشيات الإرهابية في ليبيا وسوريا، ومحاولتها التعدي على حقوق اليونان وغيرها في شرق المتوسط. ففرنسا هي عضو الاتحاد الأوروبي الوحيد الذي أرسل قوات عسكرية لدعم اليونان في تصديها للعدوان العسكري التركي على مياهها الإقليمية في البحر الأبيض، على الرغم من أن فرنسا وتركيا تشتركان في عضوية حلف الناتو.
قبل أسبوع هاجمت مجموعة من الإرهابيين على دراجات نارية مجموعة من الأجانب والنيجيريين في محمية طبيعية يقصدها السياح شرقي العاصمة، وكان من بينهم ستة من الفرنسيين العاملين في منظمة إغاثة. وذكر شهود عيان أن إحدى الضحايا قتلت ذبحاً. وتنشط جماعة «داصك» (الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى) الموالية ل «داعش» في غربي إفريقيا ما بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا وساحل العاج والسنغال. وهناك أيضاً في منطقة غرب إفريقيا والساحل جماعة «نام» (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية للقاعدة.
وعلى الرغم أن الجماعات الإرهابية، التي تستهدف مناطق مناجم الذهب في بوركينا فاسو وعلى حدود مالي والنيجر معها، كانت تميل إلى اختطاف الأجانب، وطلب فدية لتمويل نشاطاتها الإرهابية، إلا أنها الأسبوع الماضي على ما تعتقد المخابرات الفرنسية كانت تستهدف قتل الفرنسيين بشكل محدد.
تزامن ذلك مع أنباء عن سيطرة إرهابيين تابعين ل «داعش» على ميناء مهم في منطقة كابو دلجادو شمال شرقي موزمبيق الغنية بالغاز الطبيعي. وتشن تلك الجماعات الإرهابية هجمات في المنطقة منذ الشهر الماضي، فاضطرت تنزانيا إلى نشر قواتها الخاصة قرب الحدود مع موزمبيق، لتمشيط مناطق الغابات هناك بحثاً عن إرهابيين من تنظيم «داعش». وعلى الرغم من إعلان السلطات في موزمبيق عن قتل الجيش لعشرات الإرهابيين، فأن الأنباء من المنطقة تشير إلى أن ميناء موكيمبوا دا باريا أصبح في يد الإرهابيين. وكان تنظيم «داعش» هدد نهاية الشهر الماضي جنوب إفريقيا إذا ساعدت موزمبيق في مواجهة عدوان التنظيم على المنطقة.
منذ العام الماضي ينظر إلى إقليم كابو دلجادو في موزمبيق على أنه نقطة ضوء باهرة في مستقبل البلاد بعد بدء شركة الطاقة الفرنسية العملاقة (توتال) إنتاج الغاز الطبيعي فيه، وكان الميناء الذي هاجمه إرهابيو «داعش» نقطة تصدير رئيسية متوقعة للغاز الطبيعي المسال. كما أن شركة «إكسون موبيل» الأمريكية تستعد لبدء العمل في امتياز آخر في المنطقة العام القادم.
استهداف عمال الإغاثة الفرنسيين في الغرب، وتهديد أعمال شركة «توتال» في الجنوب الشرقي من القارة السمراء تقوم بها جماعات «داعش»، والقاعدة التي ترعاها وتدعمها تركيا، وتنقل الآلاف منها إلى ليبيا، لينتشروا شرقاً وغرباً وجنوباً في إفريقيا بتمويل قطري، ليس إلا حلقة في مسلسل نشاط إرهابي متصاعد في بؤر مختلفة في أنحاء إفريقيا. وفي هذا الوقت لا تظهر معارضة أمريكية للنشاط الإرهابي التركي / القطري في ليبيا - والممتد من الصومال إلى السنغال إلى موزمبيق. بل إن الولايات المتحدة تستعد لإغلاق القاعدة الجوية ل «أفريكوم» في النيجر، والتي كانت تنطلق منها طائرات «الدرونز»، لتستهدف الإرهابيين في المنطقة، وخاصة جنوب غربي ليبيا، وعند حدود الجزائر وتشاد ومالي. المبرر الأمريكي أن القاعدة تكلف واشنطن بضع ملايين من الدولارات.
واضح أن الأمريكيين سلموا بأن فرص منافستهم للنفوذ الاقتصادي الصيني في إفريقيا لم تعد جيدة، ولذا لا يضيرهم هذا التكالب الإرهابي الذي يزعج من فازوا عليهم اقتصادياً في القارة السمراء. أما الأمر بالنسبة للفرنسيين، فهو مزيج من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، وخاصة في محيط الدول الفرانكفونية التي تتعامل معها فرنسا باعتبارها رديفاً استراتيجياً لها. وليس بين الفرنسيين والصينيين وغيرهم من أصحاب المصالح في إفريقيا مشكلة، طالما أن التنافس بعيد عن نشر الإرهاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"