العالم في مواجهة الموجة الثانية

04:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
كمال بالهادي

عندما قيل إنّ عالم ما بعد كورونا ليس كما قبله، كان كثيرون قد تلقوا هذه المقولة بلا مبالاة، ودون أن تكون لهم الدراية الكافية بمقاصد هذا القول، فعادوا إلى حياتهم الطبيعية وكأنّ شيئاً لم يكن. وهناك كانت الكارثة وسط تراخي الحكومات في تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي وتوفير وسائل الحماية...
العالم اليوم يواجه فعلياً موجة ثانية من انتشار المرض العنيد، فبمعدّل يتجاوز 200 ألف صابة جديدة يومياً، وبنحو 6 آلاف وفاة جديدة، تتسارع الخطى نحو الكارثة الكبرى، مع حقيقة جديدة تتمثّل في أنّ أغلب الحكومات لم تعد قادرة على العودة إلى إجراءات الحجر الصحي الشامل وحظر التجول بسبب الصعوبات الاقتصادية الكبرى التي تمرّ بها الدّول، وبسبب حالات الاحتقان الاجتماعي الناتج عن تردي الأوضاع الاجتماعيّة.
أرقام منظمة الصحة العالمية تشير إلى ما يزيد على 21.5 مليون إصابة مؤكدة، شفي منها ما يزيد على 13 مليون حالة في مايزال 8 ملايين شخص يحملون هذا الفيروس، وينقلون عدواه إلى آخرين في ظل عدم التزام بالحجر الصحي الذاتي وهو الخيار الذي التجأت إليه عدة حكومات، ما تسبب في تسارع انتشار العدوى حتى في الدول التي أعلنت انتصارها مبكراً على المرض. العالم يتجه أيضاً لكسر رقم المليون وفاة، وخطورة هذا الرقم تتأتى من كونه يسجّل في فترة يعرف فيها التقدم العلمي والتكنولوجي أوج ازدهاره. ومع هذا يموت كل هذا العدد من البشر وسط تواصل معارك القوى العلمية العالمية حول من سيفوز بأكبر الصفقات في سوق اللقاحات، ووسط تواصل معارك كسر العظام بين القوى السياسية الدولية حول أحقية القيادة في عالم ما بعد كورونا. الصين وروسيا من المعسكر الشرقي أعلنتا توصلهما إلى لقاحين تقولان إنهما أتمتا تجاربهما السريرية، إن الكرة الآن في ملعب منظمة الصحة العالمية التي ستتولى النظر في براءتهما لتمكينهما من إجازة التسويق في سوق الأدوية العالمية. وكان مصدر مسؤول من منظمة الصحة العالمية قال إن المنظمة ستنظر هذا الأسبوع في ملف اللقاح الروسي من أجل إجازته. أما في المعسكر الغربي فقد أعلنت بريطانيا توصلها إلى لقاح، فيما تتأخر الولايات المتحدة عن الركب مع توجيه اتهامات صريحة لمنظمة الصحة العالمية بأنها صارت أداة من أدوات السيطرة الروسية والصينية. ما يعطي صراع اللقاحات أبعاداً سياسية، قد تزيد في تعقيد الوضع، وقد تودي بحياة ملايين الأبرياء، في حرب هي ليست حربهم.
غير أنّ هذه الصراعات ليست هي الوحيدة المهددة لحياة البشر، فاللافت للنظر هو أنّ الصراع خرج من دائرة هذه القوى إلى مسرح اللوبيات النافذة، والتي تضررت مصالحها جرّاء إجراءات الحجر الصحي الشامل.
بين أوجه الصراعات المتعددة هذه، والتي تتخذ طابع حرب عالميّة يخوضها الجميع ضدّ الجميع، ستكون النهاية وخيمة، لأنّ الأولوية تعطى لحساب المصالح، قبل مكانة المواطن/ الإنسان. وفي هذه الحرب الضروس، يكون العلم هو السلاح. ولكن سلاح ضدّ من؟ ضدّ الإنسان أم ضدّ وباء كورونا؟ هنا تكون الإجابة صادمة، فهو سلاح يتجه نحو الفيروس ليخترقه وليستقر في صدر الإنسان في نهاية المطاف، سواء بالابتزاز أو بشروط بيع مشروطة للقاح المنتظر، أو في إطار معركة كسر العظام بين المعسكرين الغربي والشرقي. ولنا أن نسأل، لمّا فشل الإنسان في أخلقة السياسة، ألم يكن من الواجب أخلقة العلم؟ لماذا نعطي هذا الوباء فرصة لتدمير منجزات الإنسان، وهو لا يفرّق بين غربي وشرقي، ولا بين أبيض أو أسود أو أصفر أو أحمر؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"