مواجهة «كورونا» فـــي الـــدول الناميـــة

03:26 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة *


لا شك أن فيروس كورونا يصيب الدول النامية والناشئة بقساوة كبيرة لا تعرفها الدول الصناعية لأن الامكانات المادية والبشرية أقل كما أن الجهوزية أضعف بكثير. سمت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباء، أي ينتشر في مجتمعات لا تحتوي على المناعة الكافية كما الجهوزية الضرورية. الانتقال الجغرافي للفيروس خطير أي لا حدود له، بالرغم من أن الاصابات لا تكون بالضرورة مميتة. الانتقال الجغرافي هو ما يهم الأمم المتحدة ومنظمتها الصحية المعروفة. هنالك أمراض معدية كثيرة سابقة مشابهة لكورونا لكن ليست بالخطورة نفسها باستثناء «الإنفلونزا الإسبانية» التي حصلت بين سنتي 1918 و1920 وذهب ضحيتها عالمياًَ 2% من سكان الأرض أي ما يعادل 150 مليون شخص وهذا من الصعب قبوله.
أثرت الانفلوانزا الاسبانية كثيراً على الاقتصاد العالمي حيث انخفض الناتج 6% والاستهلاك 8%، كما أن أرباح الشركات تحولت الى خسائر. كذلك الأمر بالنسبة لكافة البورصات العالمية. خطورة انفلونزا القرن الماضي أنها حصلت على 3 مراحل، أي ربيع 1918، بين سبتمبر 1918 وديسمبر 1919 وهي كانت الأكثر خطورة وبين فبراير 1919 ويونيو 1920. وهذا يعني أن عدم الجدية في الوقاية يكرر الاصابات ويرفع من تكلفتها على الاقتصادات والمجتمعات. قتلت الانفلونزا الاسبانية شخصيات كبيرة بينها ماكس ويبير، العالم الاجتماعي وفريديريك ترامب جد الرئيس الأمريكي الحالي. ولا تردع هذه الاصابة الأخيرة الرئيس الأمريكي على ما يبدو من محاولة دفع الاقتصاد الأمريكي الى العمل والانفتاح مجدداً.
الامكانات المادية والواقعية للحجر الصحي ضعيفة في الدول النامية كما أن إمكانات المعالجة قليلة أو بدائية في بعض الأحيان. التجهيزات الصحية غير متطورة كما أن القدرات البشرية غير جاهزة لمواجهة عدو خطير مثل كورونا. المحزن أن في بعض الدول النامية ومنها في عالمنا العربي لا تمكن البنية التحتية المواطن من غسل اليدين مع الصابون كما يجب أن يكون الحال لمواجهة الفيروس. غسل اليدين ضروري ويجب أن يحصل مرات عدة في النهار. لكن اذا لم تكن المياه متوافرة، ما العمل؟ الشباب معرضون كثيراً للاصابة بكورونا لأنهم يتحركون، لكن المسنين تكون إصابتهم مميتة اذا حصلت وبالتالي يجب أن يتجنبوا الاختلاط. ليست هنالك احصائيات دقيقة اليوم حول عدد الاصابات لأن الانتشار كبير وسريع والاختبارات غير متوافرة أو محدودة جداً في أفضل الأحيان. هنالك استسلام في الدول النامية أمام قوة كورونا التي يمكن أن تزحف الى المنازل والقطاعين العام والخاص. في الحقيقة لم تواجه الدول النامية بعد خطر كورونا الذي ما زال يفتك بأوروبا وأمريكا لكن التحدي قادم حتماً.
في معظم الدول النامية هنالك أمراض موجودة أصلاً لم تعالج كلياً بعد. أتى كورونا ليضيف مشكلة فوق مشاكل سابقة. عندما يكون الانسان ضعيفاً وذا صحة متردية، لا يمكن له أن يقاوم كورونا أو غيره. هنالك مثلا أكثر من 25 مليون إفريقي مصابون بمرض «الإيدز» وملايين مصابون بالملاريا وغيرها. لم تحسم المواجهة بعد مع هذه الأمراض وغيرها لضعف الامكانات وتوسع الاصابات. لذا فإن كورونا يعمق المشكلة الصحية ويضرب العمر المرتقب ونوعية الحياة. من الصعب جداً في تجهيزات سكنية صغيرة تحقيق البعد المنزلي لأن الاكتظاظ كبير وخطير ويسرّع انتشار الفيروس في الدول النامية. في المنازل الصغيرة في إفريقيا وغيرها، ينام أفراد العائلة في غرفة واحدة وبالتالي من المستحيل طرد الفيروس من المنزل فيفتك بالجميع. الحجر المنزلي الذي نمارسه في لبنان مثلاً غير ممكن في بعض الدول العربية الفقيرة كما في أكثرية الدول الإفريقية والآسيوية.
اقتصادياً الدول النامية مرتبطة إلى حد بعيد باقتصادات الدول الصناعية اذ تبيعها منتجاتها وموادها الأولية. لذا تتأثر هذه الدول بتردي الأوضاع في أوروبا وأمريكا وبالتالي تتردى صحتها الاقتصادية كما مناعتها في مواجهة كورونا وكافة التحديات الصحية. كما أن الاقتصادات النامية غير مجهزة تكنولوجياً، وبالتالي العمل من المنزل أصعب وأكثر كلفة لغياب الاتصالات المتطورة والإنترنت السريع وغيرها من تقنيات التواصل المتطورة. المشكلة الكبرى في ما يخص كورونا هو أن المعالجة تقتضي الحجر المنزلي، لذا التكلفة الاقتصادية لا بد أن تكون كبيرة.
لا شك أن الصحة أهم من الانتاج، لكن العلاقة بينهما كبيرة وقوية خاصة على المدى البعيد. هنا يكمن قلب المشكلة إذ إن عامل الوقت غير معروف وبالتالي التكلفة غير معروفة ولا يمكن تقديرها خاصة في غياب المعالجات الطبية والاستشفائية المناسبة. لا يمكن التراخي بشأن العزل المنزلي، إذ إن الفيروس يمكن أن يصيب مجدداً وبالتالي الوقاية الجدية ضرورية بالرغم من تكلفتها المرتفعة. كلما كانت الوقاية قاسية والحجر المنزلي جدياً، كلما كانت التكلفة الاقتصادية الآنية كبيرة، أي الركود والبطالة. هنا يكمن قلب المشكلة المزعجة، لكن الخيار واضح وهو مع الحفاظ على الانسان وصحته خاصة على المدى الطويل.
ما هي السياسات التي يمكن أن تطبق لمواجهة كورونا؟
أولا: السياسات الصحية حيث جميعها يهدف الى الحد من انتشار الفيروس علماً أن لا التطعيم ولا العلاج متوافران بعد وبالتالي ما يفيد هو وضع حدود أو حواجز أمام انتشار المرض. لذا عدم التنقل وتجنب الاختلاط والبقاء في المنزل والعمل منه، كلها سياسات تجنب انتقال الفيروس ولا تواجهه. هنالك تقصير طبي كبير في مواجهة هذا الفيروس إذ إن أموال البحث والتطوير على مدى عقود ماضية أنفقت على أمور أخرى ربما يكون الربح المادي وراءها. السلاح لمواجهة كورونا غير موجود عملياً اليوم. لذا تتجهز المستشفيات بما يمكنها لاستقبال المرضى في غرف العناية الفائقة وغيرها من الغرف كما تعتمد، ليس فقط على الكفاءات الموجودة إنما تستقدم المتقاعدين في العديد من الدول لأن الطاقات العاملة غير كافية. المفرح هو تجاوب الجميع لمواجهة هذا العدو الخطير.
ثانياً: السياسات الاقتصادية لمواجهة الانحدار الكبير الناتج عن تدني الطلب والعرض في نفس الوقت، وبالتالي حصول بطالة كبيرة وامتداد للفقر في كافة أنحاء الدول النامية. يتدنى الطلب الاستهلاكي على كل شيء مع التزام الحجر المنزلي. يتدنى العرض لأن العامل لا يمكنه الذهاب الى المصانع إذ يقفل بعضها وبالتالي يخف الانتاج العام حكماً. ترتفع البطالة عالمياً مع ما يترافق من مشاكل اجتماعية ونفسية ومادية في غاية الخطورة والعمق.
ثالثاً: السياسات الاجتماعية حيث يجب على القطاع العام أن يتدخل لمساعدة الأسر الفقيرة. البرامج الاجتماعية ضرورية والتضامن العالمي حولها أكثر من ضروري خاصة تجاه الدول النامية التي تفتقد الى القدرات التي تسمح لها بمساعدة الفقراء لديها. المساعدات ضرورية كي تلتزم الأسر بالحجر المنزلي ولا تضطر الى العمل في الأسواق لجني بعض الدخل الضروري للعيش. يمكن للتمويل أن يأتي من الموازنات العامة كما من التبرعات وقد شاهدنا العالم الفني يبذل جهده في المساعدة عبر نشاطات ممتازة تصدر من المنازل بتنسيق مدهش يقوم به الفنانون كما التقنيون.
في الدول النامية يكون أحياناً الخيار بين إمكانية موت بنسبة 10% اذا ذهب للعمل، أو البقاء في المنزل والجوع. فيختار الأولى وهذا مؤسف. لذا يجب مساعدة الفرد مادياً كي يستطيع اختيار الثانية والحجر من دون الجوع.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"