الخروج من السكون الاستراتيجي العربي

04:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

المفترض أن الدول التي تواجه أزمات سياسية مستعصية، لا تنتظر أن يحلها لها الآخرون، فهي تدرس الظروف المحيطة بها من حيث مواطن قوتها، ومواقع ضعفها. وعلى هذا الأساس ترسم لنفسها استراتيجية عمل تتصرف بناء عليها. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فالعالم بطبيعته يتغير، والظروف قد لا تبقى على حالها. من ثم لا بد من تطوير الرؤية والأداء انسجاماً مع المتغيرات.
ينطبق ذلك على حال القضية الفلسطينية، وما يؤثر فيها فلسطينياً وعربياً ودولياً.
وحتى لا نغوص فى التاريخ، نرصد فقط ما جرى فى المرحلة المعاصرة.
عقب انتهاء الحرب الباردة تبنى الرئيس جورج بوش الأب، مبدأ السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، الذي يقوم على ضرورة الاستقرار الإقليمي طالما انتهى الصراع الأمريكي السوفييتي في المنطقة، خروجاً منه على المبدأ الذي كان مأخوذاً به، وهو زعزعة الاستقرار الإقليمي. وساند بوش عقد مؤتمر مدريد 1991 لتسوية سلمية، رافضاً المستوطنات الإسرائيلية، ومؤيداً لحق الفلسطينيين في دولتهم.
لكن ظروف ما بعد انتهاء الحرب الباردة، لم تظل كما هي، فقد جاء من بعده بيل كلينتون، وحاول جدياً دعم المسار الذي سار عليه بوش الأب، لكن حملات منظمة جرت ضده، لشل قدرته على الاستمرار في هذا النهج - وكنت شاهداً على ذلك من خلال عملي وقتئذ مراسلاً في البيت الأبيض - وخلفه جورج بوش الابن، ليتخذ موقفاً منحازاً كلية لإسرائيل، فى إطار استراتيجية عالمية جديدة، وصفت بانقلاب في السياسة الخارجية.
فى هذا الإطار تبصرت دول عديدة، خاصة فى آسيا حقيقة التغيير العالمى، واتخذت لنفسها مبادرات من واقع ظروفها محلياً وإقليمياً، ونجحت. لكن، ماذا جرى فى المحيط العربى؟
في أمريكا كان المسؤولون يردون على تساؤلاتي عن هذا الانحياز الكلي لإسرائيل، بالقول إن العرب في حالة سكون، وهذا «السكون الاستراتيجي» لا يكون مؤثراً على صناعة القرار عندهم.
وعندما كنت أحضر مناقشات فى أوروبا يشارك فيها خبراء سياسيون، وأسأل لماذا تترك أوروبا ساحة المتوسط لإيجاد تسوية في الشرق الأوسط للولايات المتحدة، كان رد بعضهم أن العرب ليست لهم مبادرة. وأن المبادرة لا يكفيها العبارات، ولكن التحرك المحسوب.
فماذا عن الفلسطينيين، الطرف الأصيل فى القضية؟
لا يخفى على العالم، وعليهم أنفسهم، ما هم فيه من انقسامات واختلافات، وكأنهم محصنون ضد التوحد الوطني، على موقف في مواجهة أزمتهم. ويتصرفون كأنهم موزعون على إرادتين منفصلتين. وهذا شيء يتناقض تماماً مع تفكير أي حركة تحرر وطني، وهو ما تشهد عليه التجارب. في إفريقيا، وفي الجزائر، وأيضاً في فيتنام البعيدة في جنوب شرقي آسيا، وحيث عرف المنغمسون في قضايا وطنهم، ما هو الطريق المؤدي إلى التحرر، وليس إثارة الصراع مع بعضهم البعض، وكأن كل منهم يتحرر من رفيقه في الكفاح!
ومع المتغيرات المحيطة بأصحاب الشأن، وجلوسهم في مقاعد المتفرجين، يراقبون ما يفعله الآخرون، دون أن يكون لهم منطق لما يفعلونه هم، فإن ذلك ينعكس بالضرورة على الموقف العربي العام، الذي وصفه لي مسؤولون في الخارجية الأمريكية، بالسكون الاستراتيجي العربي، وهي كلمة مرادفة لتجمد المواقف.
وحسب تعبير سمعته من مسؤول أمريكى قال لي «إننا مجتمع الضغوط». والضغوط ليست مسألة بسيطة لكنها حركة منظمة تستخدم فيها القوى التي تريد انحيازاً لمواقفها، ما لديها من أوراق قوة يشعر بها الطرف الآخر، فيميل بتأثيره ناحيتها.
من ثم كان السكون العربي عنصراً ينتقص من قدرة العرب على الضغط، وهذه قاعدة يحسب أي رئيس حسابها، عند اتخاذ قراره، كما تحسب حسابه إسرائيل ذاتها.
فماذا نحن فاعلون؟.. وكأن الواقع المعقد والتشابك يطرح من التساؤلات أكثر مما يوفر الإجابات. هل الوضع العالمي ثابت أم أن به متغيرات؟ وما هي؟.. ما هو الجديد في ثبات الموقف الفلسطيني على حاله؟.. وماذا عن ظاهرة السكون العربي؟. وما هو الطريق؟.
أعتقد أن تلك أسئلة لا يصح المراوغة في الإجابة عنها أو التملص من مواجهتها. وستظل أسئلة مطروحة على رؤوس الجميع تدق أبوابهم.. لعله يكون هناك من يجيب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"