قواعد ترامب للبقاء في البيت الأبيض

04:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
جميل مطر

يبدو دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة زعيماً يعرف كيف يخفي الإصابات والأوجاع الناجمة عن أزمات وتطورات غير مناسبة لما يرغب في تحقيقه. في الوقت نفسه يبدو واثقاً، وإن بجهد وقدرة فائقة، أنه استطاع أن يجمع من إمكانات القوة والنفوذ والاتصالات والمال ما يجعله، أو يجب أن يجعله، مطمئناً إلى أنه ليس بعيداً عن الفوز، بل لعله أقرب إلى هذا الفوز مما كان عليه في الفترة المماثلة من المرحلة السابقة على الانتخابات الرئاسية الماضية.
من جانبي، وهو جانب مهم في الموضوع، أشعر بأن حماستي لمتابعة هذه الانتخابات لم تفتر. كنت باستمرار واضحاً، ومبرراً هذه الحماسة بمنطق بسيط. أنا المواطن من مصر أعتقد أن لا رئيس لأي دولة في العالم، طبعاً باستثناء الرئيس المصري، أشعر تجاهه بأنه يؤثر في حياتي السياسية، والاقتصادية، بل والشخصية، مثلما يؤثر أحياناً رؤساء أمريكيون، ومثلما أثر بالتأكيد هذا الرئيس، المدعو دونالد ترامب. أشعر وأعرف أن كثيراً من الملمات التي أصابتني كانت من تداعيات مباشرة لأفعالهم، أو من تداعيات غير مباشرة. ولن أنكر على كل حال، أن بعض السعادة تسربت إلىّ حيث أكون، فعشتها. عشت تداعيات الفوضى التي أطلقها من أقفاصها الحديدية بإعلانه أنه سوف يواصل سياسة خلفه الرئيس باراك أوباما، سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط. وكان الأمل أن بانسحابه ننفرد أهل الإقليم ببعضنا بعضاً فنستقر على رأي موحد، ونعيد لملمة أجزاء حضارتنا، وطموحاتنا، وهي بالقياس متواضعة. حتى الفوضى لم يتركونا ننعم بها، أو انغمسنا فيها ثم عدنا فوجدنا آخرون سبقونا إلى المكان.
اقترب موعد إجراء الانتخابات. اقترب الموعد وسط مفاجآت وتطورات لم يتوقعها أي منا في أيام مماثلة قبل أربع سنوات. أنا شخصياً أفتقد المهرجان حيث كانت تجري طقوس اختيار مرشح الحزب.
يثق كثيرون بأن فرص الرئيس ترامب في الفوز تناقصت، ومستمر تناقصها. وعلى الجانب الآخر، يثق عدد متساوٍ، أو يكاد يتساوى، بأن فرص فوز المرشح الديمقراطي جو بايدين ازدادت، ومستمرة الزيادة. يجري هذا السباق بين الفرص في جو يهيمن عليه احتمال خبيث، وهو أن يستخدم الرئيس ترامب سلطاته عند اللزوم لوقف السباق، وإعلان نتيجة مزورة، وفرض أمر واقع ليس على أمريكا والأمريكيين فقط، ولكن أيضاً على العالم، والبشر أجمعين. ويذهب محللون إلى أن الرئيس ترامب قد لا يلجأ لهذه الخطوة الدراماتيكية، فلديه كما يعرف العارفون والأقربون عشرات الخيارات، وعديد الدروب ليسلكها إن أراد الوصول إلى هدفه بخسائر أقل، وثمن غير باهظ. وفيما يلي نماذج خيارات ودروب يتحدثون بها:
* أولاً: إن نسينا كثيراً من مصادر قوة دونالد ترامب، فلن ننسى هذا الرصيد الهائل من العلاقات التي أقامها ترامب مع عشرات السياسيين وصانعي القرار في عديد الدول، والشركات الكبرى. كان صريحاً في حملته الانتخابية قبل أربعة أعوام عندما حذرنا كمواطنين في بلده، أو في خارجها، مستفيدين أو متضررين من أنه سوف يتعامل مع كل الشعوب والدول كما يتعامل مع زبائن ساعين إلى عقد صفقات. وليتأكد من أننا فهمنا الدرس قرر علينا كتاباً يحمل اسمه حول هذا الأسلوب في حكم بلاده، والعالم، وظل على امتداد السنوات الأربع يمتحننا، ويختبر قدراتنا في تطوير أسلوبه لخدمة منافع مشتركة.
* ثانياً؛ كنا حتى أيام قريبة نراهن على فوز مطلق وحاسم للرئيس ترامب، ونائبه، في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. لم يتغير الرهان، إنما لم نعد نرى الفوز به للرئيس ترامب، ونائبه، مطلقاً أو حاسماً. اعتدنا سابقاً أن نراهن بفوز مطلق مستندين إلى عناصر لم يخطر على الظن أن تتغير. كان الظن أن يحتفظ اليمين الأمريكي بهيمنته على مختلف ساحات الحكم والإعلام على حساب قوى اليسار. تغير وجه الساحة الأمريكية في الأشهر الأخيرة. انحسر اليمين، وصعد اليسار. كذلك لم يخطر على أذهان المراقبين أن يقع حادث قتل جون فلويد تحت ركبة ضابط شرطة أبيض، فتشتعل الساحات الاجتماعية، ويشمر اليسار المعتدل في الكونجرس والإعلام والمجتمع المدني بوجه عام، عن ساعديه في مواجهة يعتقد اليسار أن استحقاقها طال.
* ثالثاً: بالرغم من بيانات الإنكار الرسمية الصادرة عن حكومتي الصين وروسيا لم ينحسر الشك في أن التدخل الإلكتروني للتأثير في مجريات الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة سوف يتكرر. بل كانت هناك اجتهادات استخباراتية تتوقع كثافة أشد، وأساليب أكثر تنوعاً. المهم ساد الانطباع أن موسكو، وبكين، لن تتخليا بالرضا والبساطة عن الرئيس ترامب، وأنهما سوف يردان الجميل.
* رابعاً: تجري الانتخابات والرئيس ترامب في السلطة. يستطيع الرئيس أن يعلن حال طوارئ ويفرض الأحكام العرفية. يستطيع دعوة الجيش للنزول إلى الشوارع. يستطيع إعلان الحرب على إيران، وإعلان التعبئة. يستطيع في النهاية أن يؤجل إعلان النتائج.
ولن تكون هادئة، ولا مملة الأشهر من أكتوبر/ تشرين الأول، وحتى يناير/ كانون الثاني، ولكنها في كل الأحوال ستكون باهظة التكلفة وعميقة التأثير في داخل الولايات المتحدة، ودول عديدة. شعوب كثيرة سوف تدفع جانباً من فاتورة هذه الانتخابات، نحن منها. دفعنا، وندفع، وسوف ندفع. دول عدة سوف تقضي وقتها، ووقت جيرانها، تبحث عن مكانة ودور، وعن استقرار، وأمن. عالم بأسره كان على وعد ببوصلة تعوضه عن الفوضى، وهو في الانتظار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"