صناعة الثقافة

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السويجي

الثقافة مصطلح شامل جامع، وفضفاض أيضاً، وهناك عشرات التعريفات ذات الصلة، منها ما يحصر الثقافة بالآداب والفنون والإبداع ذي العلاقة بهذه المجالات، ومنها ما يضمّن التراث الشفوي والكتابي، ومنها ما يوسّع المصطلح فيتعامل معه بأفق يطال كافة أصناف المعرفة، ومنها ما يقرنه بالحضارة. وهذا المصطلح الأخير يشمل المعارف والتراث العلمي والأدبي والفني والعلوم الإنسانية والتطبيقية والمنجز التاريخي، لكن المتخصصين بالشأن الثقافي يختصرون كلمة المثقف؛ بحيث تعني المهتم بالشأن العام ولديه موقف تجاه المشاكل والمعضلات والتحديات التي تواجه الإنسان، وهنا يتقاطع المثقف مع المفكّر والعالم ويتماهى معهما في معظم انشغالاته، أما العلاقة بين المثقف والمتعلم فقد حُسمت؛ بحيث لا يمكن إطلاق كلمة مثقف على المتعلم، والفرق بينهما هو الفرق بين المعرفة وبين توظيف المعرفة، وحين يطالب أصحاب القرار بوضع استراتيجيات للوصول إلى مجتمع معرفي، فإنهم يتجاوزون حدود المعرفة كمادة جامدة وبين إعطائها الدور التنموي في حياة الناس والمجتمعات.
الثقافة ليست عملاً ترفيهياً يُقصد لذاته كما هي الكتابة أو الفن أيضاً؛ بل تحولت في عصرنا الحديث إلى صناعة تسهم في الدخل وتطوير الاقتصاد الفردي والجماعي، الخاص والعام، أي تحولت الثقافة إلى مجال استراتيجي يؤثر في البناء والتنمية، وإلى احتلالها مساحة مهمة من نسيج العمل التطويري، فهي أساس الانتقال من مرحلة إلى أخرى، وهي عماد التغيير بوصفها أصبحت ضمن الأمن الوطني للأوطان والدول، ولا شك أنها مسؤولة عن الانسجام المجتمعي في إطار التعددية وحرية الاختيار المبنية على التسامح والتآلف والتآزر والتعاون بين الثقافات.
ومن هنا، تأتي دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى (النهوض بالمنتج الثقافي والإبداعي) وجعله من أولويات المرحلة الجديدة التي تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال سموه إنه (يتعين تطوير القطاع الثقافي؛ ليكون رافداً اقتصادياً حيوياً للدولة .. ومطلوب وضع خطط وبرامج ومبادرات تحتضن المواهب الثقافية الإبداعية الإماراتية، وتروج للمنتج الإبداعي المحلي).
ولا شك أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يستند في حديثه إلى منجزٍ تحقق على مدى السنوات السابقة من عمر الدولة، ويضع في الحسبان، معارض الكتب العالمية، وزيادة دور النشر المحلية، ومعارض الفن التشكيلي الدولية والمهرجانات التراثية الأممية، والجوائز الثقافية والعلمية العالمية التي ترعاها الدولة، والجوائز التقديرية، إضافة إلى المبادرات الثقافية العديدة في مجالات القراءة والكتابة، والجوائز الثقافية الإبداعية في مجالات الأدب والترجمة والبحوث والرواية والشعر، كما يستند، وهذا هو الأهم، إلى الجانب المعرفي الذي طوره أبناء وبنات الإمارات وصار جزءا من إيقاع حياتهم. وانطلاقاً من هذا الإنجاز المعتبر يدعو سموه إلى : (خلق بيئة ثقافية ذات آفاق إبداعية تضع الإمارات على خريطة الإنجاز الثقافي العربي والعالمي المتميز)، مؤكداً أن (الشباب هم عصب سياساتنا وخططنا الاستراتيجية.. ومهمتنا تمكينهم وصقل مواهبهم وتوجيه طاقاتهم؛ لترجمة رؤيتنا في صناعة مستقبل دولتنا).
لا شك أن الثقافة صناعة وليست هواية، فهي منتج معرفي وحضاري يؤثر في بنيان الدولة والمجتمعات، وجودة المنتج وتميزه ضرورة ملحة لتشكيل بيئة منافسة على الصعيد القومي والعالمي، والمنتجون الثقافيون الراسخون إضافة إلى الشباب من أصحاب المواهب المتميزة هم الذي سيشكلون البيئة الثقافية، ويطورون صناعة الثقافة التي ستتحول كأي صناعة أخرى يمكن تصديرها إلى الخارج لتكون جنباً إلى جنب مع المنتج الثقافي والمعرفي العالمي.
إن الوصول إلى مجتمع المعرفة يتطلب استخدام التقنية وتوظيفها لخدمة وتطوير المنتج الثقافي، ودولة الإمارات تمتلك بنية تحتية تكنولوجية وتقنية تؤهلها لتطوير هذا الجانب المهم من صورة الشعب والدولة، ولولا تلك البنية المتطورة لما تمكّنت الدولة من اجتياز آثار جائحة كورونا ولاسيما ما يتعلق بالتعليم عن بعد، وقد تقوم الدولة وهيئاتها الثقافية بتنظيم معارض كتب رقمية في المستقبل القريب، وهذا أحد جوانب التطوير المنشود، والذي يلاقي رعاية مخلصة من أصحاب القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبذلك تكون الجاهزية مكتملة لمواجهة التحديات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"