القاهرة التي تنتظر

04:10 صباحا
قراءة دقيقتين
سليمان جودة

بدأت السلطات في دبي أولى الخطوات نحو تحويلها إلى مدينة صديقة للدراجات الهوائية، لعل ذلك يحرض كثيراً من المدن في المنطقة على التحرك في الاتجاه ذاته.
وتهدف الخطوة إلى شيئين على المدى البعيد، أولهما خفض نسبة الحوادث المرورية الناتجة عن اصطدام السيارات، وثانيهما النزول بمعدل انبعاث الكربون الناتج عن العوادم التي تلوث الهواء.
وليست دبي هي الأولى في هذا الملف؛ لأنه أصبح من شواغل عواصم أوروبية كثيرة في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، ولأن لندن على سبيل المثال خصصت ميزانية مستقلة لشق حارات جديدة في الشوارع، بما يتيح الفرصة أمام الذين يستخدمون الدراجات ويشجعهم على التنقل بها، بدلاً من مترو المدينة الشهير الذي ضاق بأهله، وبدلاً من «الأتوبيسات» ذات الطابق الواحد والطابقين.
والذين يُحمِّسون الناس في عدد من العواصم على الاتجاه للداجات الهوائية، لا يفعلون ذلك لمجرد أنها تحقق فكرة التباعد المطلوبة في أجواء الوباء.. فهذه أجواء سيأتي عليها وقت تغادرنا فيه وتختفي مهمها طالت وطأتها على البشر، وإنما الهدف أن يعيش المواطن في مدينة أقل صخباً، وتلوثاً وضغطاً على الأعصاب.
وليست عاصمة الضباب وحدها في اتجاه تخصيص ميزانية لتشجيع تسيير الدراجات الهوائية في شوارعها، فقد تحول هذا الموضوع إلى ما يشبه الموضة في أوروبا كلها، وأدركت القارة العجوز أن الدراجة الهوائية يجب أن تكون قاسماً مشتركاً أعظم بين وسائل المواصلات التي تجري في شوارعها في زمن ما بعد كورونا.
ولا بد أن القاهرة التي كانت إدارتها تغسل شوارعها بالماء والصابون ذات يوم، تنتظر إدارة في هذه الأيام تعيد إليها بعضاً مما يراه المصريون من صورها في أفلامنا القديمة.
وكان الخديوي إسماعيل الذي بنى القاهرة الخديوية قد استوحى شكل بيوتها وشوارعها وميادينها من العاصمة الفرنسية باريس، وقد جاءت بعد إنشائها على هذا النحو بالفعل، ولا يزال الذين يترددون على باريس من المصريين يرون وجوه شبه كبيرة بينها وبين القاهرة الخديوية بالذات.
والجهد الذي جرى بذله من جانب الحكومة في رد الروح إلى ميدان التحرير، وفي نفض تراب الإهمال عن القاهرة الخديوية، يمكن أن يقطع خطوة مضافة في اتجاه ضم قاهرة المعز إلى قائمة المدن الصديقة للبيئة عموماً، وللدراجات الهوائية على وجه الخصوص.
وتستطيع حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، التي ردت الروح إلى ميدان التحرير، وتجهز لإعادة الروح نفسها إلى القاهرة الخديوية، أن تعود إلى تجربة شهيرة كانت حكومة الدكتور كمال الجنزوري في آخر التسعينات قد جربتها في حي البورصة في العاصمة، عندما أعادت تخطيط شوارعه، وعندما جعلت المرور فيه للمشاة فقط، وعندما جعلت منه حياً كأنه من أحياء عاصمة النور الفرنسية.
كل دراجة هوائية جديدة تجري في شوارع العواصم المزدحمة، هي خصم مباشر من السحابة القاتمة التي تغطي سماءها، وكل حارة جديدة يجري شقها في شوارع المدينة أي مدينة أمام هواة الدراجات، هي طريق مفتوح إلى صحة أفضل لأهلها ومعهم الذين يترددون عليها، وكل جنيه يجري إنفاقه في هذا الموضوع، هو جنيه مردود بأضعافه من جيب السائح الذي يحب المدن النظيفة ويفضلها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"