العدو البديل في حرب غير مألوفة

04:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمرى

انقلب الحال، وتغيرت موازين صياغة الفكر السياسي، رغماً عن الذين صاغوها في دولهم، وتحول هدف الباحثين عن عدو بديل، إلى البحث عن كيفية الخلاص من العدو - المهدد لحياة البشر.
والعدو البديل هو الشعار الذي ظهر بقوة من خلال أبحاث لعدد من مراكز الفكر السياسي الأمريكي، التي طرحته كضرورة تعويضية، عن العدو السوفييتي السابق، من بعد تفكك الاتحاد السوفييتى عام 1991.
في البداية طرح البعض اسم الصين لتكون هي العدو البديل، ولم يتحقق الرواج لهذه الفكرة، فاتجهت بعض المراكز، خاصة التابعة للقوى اليهودية الأمريكية، إلى طرح مصطلح «العدو المسلم». وحين اشتدت لهجة الداعين للمصطلح، في فترة حكم كلينتون ابتداء من عام 1993، فقد اتخذ موقفاً صريحاً، برفض هذه الدعوة، وتفنيدها، ووقف كلينتون يلقي خطابه في افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، معلناً رفضه قبول وصف الإرهاب بأنه إسلامي. وقال إن الإرهاب يمكن أن يمارسه مسلمون ومسيحيون ويهود. بعدها خفتت الدعوة لوصف الإسلام بأنه منبع الإرهاب، في نطاق عمل السياسة الخارجية.
ومنذ أعلن جورج بوش عام 2002، مقولته «إننى رئيس زمن الحرب»، فقد أتبع ذلك ببناء أركان سياسته الخارجية، على أنه يواجه عدواً يعتبره إرهاباً إسلامياً. ثم استكمل مشروعه بجذب الأقرب إلى الانخراط في المشروع، ممن أسماهم جماعات الإسلام المعتدل، نسبة إلى الإخوان.
ووجدنا أنفسنا في مارس (آذار) 2020 أمام طرح عدد من الرؤساء مصطلحات هي: وصف ترامب نفسه بأنه رئيس وقت الحرب. ومقولة الرئيس الفرنسي ماكرون بأن فرنسا في حرب، وكذلك التعبير الذي قاله رئيس الصين، من أن ما نحن فيه هو حرب الشعب.
لكن ليس هناك ما يشير إلى اقتناعهم بأن الحرب التي يتحدثون عنها، هي في مواجهة عدو واحد. بينما لا يغيب عن فطنة أي من هؤلاء الرؤساء أن الحرب في مواجهة العدو الذي يقصدونه، وهو الوباء الكارثي لكورونا، لا يمكن أن تتوافر وسائل التصدي لها إلا عن طريق عمل جماعي مشترك وموحد، يتخلى فيه الجميع عن قاعدة وضع الشأن السياسي الداخلي منفرداً، فوق كل ما يخص العمل الجماعي الدولي، الذي يتأسس على المشاركة في البحث عن السلاح الفعال ضد هذا العدو الواحد، الذي يتمثل في تجارب التوصل إلى لقاح لعلاج الفيروس، لا تنفرد فيه دولة بمفردها. ولكن يكون الجميع عاملين فيه، كأنهم داخل معمل أبحاث مشترك، وفي نطاق الدور التخصصي لمنظمة الصحة العالمية.
إن كثيراً من الدول تجري بالفعل أبحاثاً للوصول إلى لقاح لعلاج الفيروس، وكما شهدنا فقد تعددت وتنوعت البيانات الصادرة عنها، عن قرب وصولها إلى اللقاح الذي يعالج الفيروس، ثم نجد تصريحات أخرى مخالفة تصدر عن مسؤولين صحيين من نفس هذه الدول، تذكر أن الوصول إلى هذا اللقاح قد يستغرق وقتاً يصل إلى سنة كاملة. ومعنى ذلك أن الجهود التي تقوم بها كل دولة على حدة، تعد كأنها نوع من القطيعة مع الآخرين، وهو ما يظهر أياً من هذه الدول لم تحقق وحدها نجاحاً في إيجاد حل لهذه الأزمة الصحية العالمية، مع أن الولايات المتحدة على سبيل المثال، قد أجرت حتى الآن اختبارات على تسعة ملايين شخص، أي أقل من 3% من عدد سكانها. كما أن الصين أعلنت عن خطط لاختبارات على أحد عشر مليوناً من سكان مدينة ووهان، خلال عشرة أيام. يحدث هذا بينما تسعى كل من الدولتين لتكون لها الأسبقية في اكتشاف اللقاح، أي أن قاعدة التنافس سياسياً، تسيطر على جهودهما.
وفي الوقت الذي يؤدي فيه طول فترة الوصول إلى حل إلى أضرار اقتصادية لكلتيهما، فإن استمرارية هذه المواجهات تقود إلى وضع لقطبين منفصلين، كل منهما يبني سياسات مضادة للآخر، مع أن الأزمة مشتركة، والعدو واحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"