فرصة ترامب

04:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحمد مصطفى

أما وقد عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره، ورشح نائب الرئيس السابق جو بايدن للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وكذلك فعل الحزب الجمهوري مُرَشِّحاً الرئيس دونالد ترامب لفترة رئاسة ثانية، فمن أولويات اهتمام العالم خلال الشهرين المقبلين، من يسكن البيت الأبيض لأربع سنوات حتى نهاية 2024. حسب استطلاعات الرأي، التي لم يعد يعتد بها في توقع النتائج بالسنوات الأخيرة. يتقدم بايدن على ترامب بفارق يتسع ويضيق، لكنه يظل لصالحه. مع ذلك، لا يضمن هذا فوزه في الانتخابات. ليس لأن الاستطلاعات غير موثوقة، ولا حتى مقارنة مع ما حدث في 2016، حين كانت كل التوقعات والاستطلاعات تشير إلى أن الديمقراطية هيلاري كلينتون ستفوز على الجمهوري ترامب، بل إن الفارق، مهما اتسع، لا يعني احتمال الفوز الأكيد، ففي 1988 خسر الديمقراطي مايكل دوكاكيس لصالح جورج بوش الأب، رغم أن الفارق في الاستطلاعات كان بنحو 17 نقطة.
ولا يجوز لفريق ترامب أن يركن إلى فكرة أن ما حدث في 2016 سيتكرر، وأن المرشح المنافس حتى لو فاز بالتصويت الشعبي، فإن استراتيجة الجمهوريين للفوز بأصوات المجمع الانتخابي تضمن حتماً فوز ترامب. ليس لأن ترامب «انكشف» أمام الشعب الأمريكي في مواجهته لأزمة وباء كورونا، وفي موقفه من الاحتجاجات ضد العنصرية، بل لأن ما جعل ترامب يفوز من قبل، يترسخ الآن في أمريكا، إلى الحد الذي يكاد يُحدث «تحولاً» جذرياً.
ما زالت هناك فرصة لترامب في الفوز بفترة رئاسية ثانية، لا تقل عن فرص فوزه في المرة الأولى، وذلك لعدة عوامل، في مقدمتها أن الديمقراطيين في وضع لا يمكنهم من الفوز المريح، ولا هم قدموا مرشحاً يأخذ بألباب الناس في الولايات المتحدة. ثم إن مواقفهم بالنسبة لقضايا رئيسية تهم الناخبين، الضرائب والرعاية الصحية وغيرهما، ليس فيها جديد. ثم إن شخصية المرشح الديمقراطي تمثل الوجه البيروقراطي للحكم الذي يكاد ينسفه ترامب بطريقته «الشعبوية». حتى اختيار مرشحة ملونة لمنصب نائب الرئيس قد لا يأتي للديمقراطيين بالحشد التصويتي المطلوب.
وهذا ما التقطه ترامب بانتهازية ذكية في تركيز حملته على شخصية المرشح المنافس، وتخويف الأمريكيين من سياسات تقليدية، لم تجلب لهم الرفاهية الموعود بها في أي وقت.
صحيح أن «الكتلة الصلبة» الداعمة لترامب من المتطرفين البيض والمسيحيين الإيفانجليكال (ومنهم نائبه مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو) قد لا تضمن له فوزاً مريحاً، لكن استراتيجية التركيز على أصوات المجمع الانتخابي، بتحديد الولايات التي تركز عليها حملته، قد يجعل فوزه محتملاً بشكل كبير. ويركز ترامب في حملته على ما يسميها «الأغلبية الصامتة». وتلك شريحة من الناخبين ازدادت اتساعاً في العقود الأخيرة، وتضم اللامبالين بالسياسة وغير الحاسمين لموقفهم من هذا الحزب أو ذاك، أو أنهم حتى لا يصوتون في انتخابات. ومن شأن حشد قدر معقول من هؤلاء أن يحسم النتائج في «الولايات المتأرجحة»، بما يضمن أصوات المجمع الانتخابي لها.
أما تركيز الديمقراطيين في حملتهم على تخويف الأمريكيين من إعادة انتخاب ترامب، وترديد الانتقادات لسياسته، فهي تزيد أنصاره المتحمسين صلابة في تأييده، وقد تأتي بنتائج عكسية لدى قطاع من الأغلبية الصامتة، ربما يصوتون برد فعل على أساس أن «الإعلام والسياسيين لديهم موقف مسبق من ترامب ولا ينتقدونه عن حق».
بالطبع، يظل هناك احتمال مهم، وهو انتخابات غير حاسمة، أشبه بما حدث في انتخابات عام 2000 بين آل جور وجورج بوش الابن. ويمهد ترامب لذلك بالحديث استباقياً عن احتمالات التزوير. وبالطبع ليس بايدن مثل آل جور الذي تخلى عن الاستمرار في قضايا، واعترف بالخسارة، ولا ترامب أقل من بوش الذي كان مستعداً لخلق أزمة قضائية وتشريعية كي يفوز بالرئاسة. لذا، قد تكون النتيجة غير الحاسمة مقدمة لأزمة لم تشهدها أمريكا من قبل، ومن غير المستبعد أن يتمسك ترامب بالبقاء في البيت الأبيض لحين حسم الأمر في سابقة أولى.
أما الذين ما زالوا يرون أن أمريكا «بلد مؤسسات»، وأن هناك قوى «خفية»، هي التي تحسم أمور السلطة والحكم، فيبدوا أنهم لم ينتبهوا بعد إلى أن أكثر من ثلاث سنوات من حكم ترامب أطاحت بهذه التصورات، وأطلقت مساراً جديداً في الحكم في أقوى بلد في العالم، ربما يصبح قريباً، نموذجاً لبقية الدول، بعيداً عن القواعد والأصول التقيلدية للسياسة والإدارة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"