الدولة العالمية.. الوجود والماهية

04:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد خليفة

يراود المصلحين والفلاسفة في العالم حلم وأمنية سامية للارتقاء بديناميكية الحياة البشرية عبر الزمن، فقد اهتمت الصحف العالمية والمحطات الفضائية ومراكز الأبحاث، بالنظريات السياسية والعلمية لعالم الفيزياء والمستقبليات الأمريكي، ميتشيو كاكو، الملقب ب«خليفة أنيشتاين»، الذي تنبأ في كتابه «فيزياء المستقبل» بتحولات مذهلة في بناء الحياة البشرية بجملتها، وقواها المدركة، بحيث تذوب الفوارق بين بني البشر، والحدود الجغرافية، لتبقى في نظام اجتماعي وجغرافي مترابط، وترقى التجربة البشرية والعلم البشرين وتتطور الأنظمة السياسية منتهية إلى ما يشبه الوضع الموحد الكلي. وكذلك ما سيشهده الكون من تحولات في المعرفة العلمية ما سيغير شكل العالم، ومصير البشرية في ال50 سنة المقبلة، وسوف يرتكز على وجوه عدة للذهنية الإنسانية المتقدة، ومفاهيم الفيزياء القابلة للمحاكاة من خلال الحواسيب الآلية، وأبرزها القدرة على تخليق أشكال جديدة من الحياة، من خلال الروبوتات القادرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات، وانتشار كبير للذكاء الإصطناعي، بحيث يتمكن الإنسان من السيطرة على الحياة والمحيط الذي يحيا فيه، ويستخلص هوياته وثباتاته في الواقع المتحرك للعالم الفيزيائي، في إطار إدراك العلاقات بين مختلف أفراد الإنسانية إلى ماهيته القائمة على الفينومينولوجيا لبناء أمة واحدة تحكم العالم، دولة عالمية مترابطة في جميع المجالات في ظاهرة سامية فوق كل الظواهر، وفي نظام مرتب من العلاقات المدنية المتزايدة في العينية؛ بحيث يتوحد أفراد العالم كله في المشاركة المادية، وعلاقة الامتداد والانتفاع من ثروات الأرض كافة، من معادن، ونفط، ومياه، وغذاء، وغيرها؛ بحيث تتوزع هذه الموارد الطبيعية والجغرافيا على كل أبناء الأرض قاطبة، وتمتد في الزمان، والمكان، فلا تتوقف على لحظة من لحظات الزمان، ولا موضع من مواضع المكان.
وقد جاء في تعقيبات علماء الجيوبوليتيك والفلاسفة والمفكرين أن هذه التحولات المستقبلية ستمهد لهذه الأمة العالمية الواحدة التي في طور التبلور؛ نتيجة للتغيرات التي ستحدثها في مدلول الحياة، والفينومينولوجيا، والمعرفة المرتبطة بالحق، والخير، والأخلاق، وستحكم العالم بقانون عالمي يفرض الإصلاح العالمي العام، ومن أبرز دلائل هذه الحكومة العالمية السعي نحو التقريب بين أبناء البشر، فلا ظلم، ولا استعمار، ولا سفك دماء، ولا حروب، ولن تكون هناك فئات غنية، وفئات فقيرة، أو جائعة، أو مستضعفة، فالمجتمع بلا طبقات، ولا تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو لا مساس بالأديان، اعتناقها ووجدانها.
العالم ميتشيو كاكو عرض خمسة اتجاهات علمية عالمية وآفاقها الحالية والمستقبلية، وهي التقنية الحيوية (البيوتكنولوجي)، والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الإصطناعي، وإنتاج الطاقة، واستكشاف الفضاء. وذكر أن عقول المئات من أبرز العلماء والمفكرين منغمسة في عمق الأبحاث؛ لأنهم وحدهم القادرون على صنع المستقبل، ويمتلكون المقدرة على القيام باختراقات علمية، وطرح نظريات معمقة في المكتشفات الخارقة في المستقبل، والتي ستتجاوز بكثير آفاق الخيال العلمي؛ لكونها تنطوي على تطورات علمية من شأنها أن تؤثر إيجابيا في حياتنا، وتغير من مسار وشكل الحضارة الإنسانية؛ نتيجة الاختراعات المستقبلية التي ستُمكن الأفراد من تحريك الأشياء بعقولهم، كما سيصبح كل شيء يلمسونه متصلاً بالإنترنت، وسيتمكنون من خلال أجهزة الحاسبات، والحسّاسات الدقيقة في المخ، من التعرف إلى جميع المعلومات في أيّ مكان من العالم، وسيقودون السيارات باستعمال نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، (جي بي إس). وفي المجال الطبي، سينجح العلماء في تنمية كل عضو من أعضاء الجسم، وعلاج الأمراض الجينية.
إن ما جاء به العالم ميتشيو كاكو، أستاذ كرسي سيمات للفيزياء النظرية في جامعة نيويورك، يجعل العالم يدرك أن الحياة في تغيّر مستمر، وتنوّع مذهل في وقائع الحاضر من جهة، وبين أهداف المستقبل من جهة أخرى. إنها إشراقات وتجليات للجوهر الإنساني في هذا الكون، وهو أمر مذهل في مسيرة العلم، ويحفز العلماء على سبر الأسس الفيزيائية للحياة، وإمكاناتها الجديدة. ولا خلاف أن هذه الأيديولوجيات تمثل مرحلة انتقالية، وحقبة جديدة ذات فلسفة لم تتضح بعد معالمها، ولكنها تجعل الكثير من الفلسفات والأيديولوجيات والمفاهيم الجغرافية والسياسية والعلمية في مهب الريح.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"