محورية روسيا بين الغرب والصين

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

تزداد مع مرور الوقت قناعة واشنطن، ومعها كل الدول الغربية الكبرى، بالدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه روسيا في العديد من الملفات الدولية المتعلقة بالتوازنات الاستراتيجية في العالم، كما تتضاعف في اللحظة نفسها حاجة الصين إلى المحافظة على تحالفها مع موسكو من أجل مواجهة الهيمنة الأمريكية، والتصدي لمحاولات واشنطن الهادفة إلى عزلها سياسياً، ومحاصرتها اقتصادياً من أجل منعها من التحوّل إلى القوة العظمى الأولى في العالم، في أفق سنة 2049 التي ستكون بمثابة الذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين الشعبية بتاريخ الفاتح من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1949 بقيادة الزعيم الراحل ماو تسي تونج.
ويمكن القول إنه، وبالنسبة للعلاقات الصينية - الروسية، والحاجة الاستراتيجية الملحة لكلا البلدين إلى إقامة علاقة تحالف للمحافظة على مصالحهما في مواجهة الضغوطات والعقوبات الأمريكية والغربية، فإن الباحث تيري فورتان يشير إلى أن العلاقات بين البلدين الجارين كشفت من الناحية التاريخية عن العديد من التناقضات، والتعقيدات السياسية التي برزت خلال مرحلة الحرب الباردة؛ إلا أن الصعود القوي للصين أسهم في تدشين انطلاقة جديدة في العلاقة القائمة بين عملاقي الشرق، بخاصة أن الصين تطمح الآن إلى ترسيخ تفوقها من خلال توطيد تعاونها مع موسكو في مجالات استراتيجية من أجل تجاوز الهيمنة الأمريكية على للعالم.
وبالتالي، فإن ما يميّز التحالف الصيني - الروسي في المرحلة الراهنة، هو أنه بات خالياً من أي صبغة إيديولوجية، فروسيا أصبح لديها نظام اقتصادي رأسمالي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، أما الصين وبالرغم من حفاظها على نظام الحزب الواحد، إلا أنها تعتمد على تسيير اقتصادي ليبرالي على الطريقة الرأسمالية يملك قدرة تنافسية عالية، ما يدفعنا إلى التأكيد أن التحالف الحالي بين البلدين هو تحالف تفرضه مصلحتهما المشتركة من أجل تجاوز التهديد الوجودي الذي يمثله الغرب، والذي يبدو أنه تطوّر بشكل لافت في المرحلة الأخيرة بعد لجوء الولايات المتحدة إلى استعمال كل ما لديها من إمكانات من أجل وقف تطور وانتشار الشركات الصينية عبر العالم.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن التحالف الراهن بين البلدين بدأ يتطور تدريجيا في مرحلة الأحادية القطبية، بخاصة بعد إصرار الولايات المتحدة على الانفراد باتخاذ القرارات الحاسمة على المستوى الدولي من دون مراعاة التوازنات الدولية القائمة، حيث تدخلت واشنطن عسكرياً في مناطق عدة على غرار ما حدث في العراق، وأفغانستان، وتسببت تدخلاتها بإشاعة جو عام من انعدام الاستقرار على مستوى الجغرافيا العالمية، لاسيما بعد إعلانها الحرب على الإرهاب كرد فعل على تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ؛ وقد أدت كل تلك الأحداث إلى شعور موسكون وبكين، بضرورة توثيق تحالفهما على الصعيدين الاقتصادي والعسكرين من أجل التصدي للسياسة الخارجية الأمريكية القائمة على التوسع والهيمنة.
ومن الواضح عطفاً على ما تقدم، أن هناك تبادلاً كبيراً للمصالح بين الصين، وروسيا، فبكين وبالرغم من قوتها الاقتصادية إلا أنها ما زالت في حاجة ماسة إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية للحفاظ على أمنها القومي، وهي في حاجة أيضاً إلى تأمين مصادر الطاقة لضمان استمرارية تطورها الصناعي؛ والشيء نفسه يمكن أن يقال عن روسيا التي تجد نفسها مضطرة إلى تنويع اقتصادها من خلال الاستفادة من الخبرة الصينية في مجال الصناعات التحويلية لكي تتجاوز تبعيتها لصادرات النفط، وللصناعات العسكرية.
وعليه، فإنه ونتيجة لتزايد الأهمية الجيوسياسية للتحالف القائم بين موسكو، وبكين، فإن واشنطن تسعى بناءً على خطط وأساليب متنوعة إلى إضعاف هذا التحالف من خلال اعتماد خطاب مزدوج تجاه موسكو، قائم على سياسة العصا، والجزرة، لقناعاتها أنه من الصعب عليها تطبيق جزء كبير من أجندتها الدولية من دون تحييد موسكو عن صراعها مع بكين.
ونستطيع أن نستنتج في الأخير، أن كل الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي العالمي باتوا أكثر وعياً بمحورية الدور الروسي من أجل تحقيق توازن جديد في العلاقات الدولية، فإذا كانت الصين ما زالت هي المستفيد الأول حتى الآن من شراكتها مع موسكو، فإن دولاً غربية مؤثرة، مثل فرنسا وألمانيا، تبدي الآن حرصها على الإبقاء على علاقات وثيقة مع روسيا باعتبارها قوة أوروبية كبرى، الأمر الذي سيمنح موسكو أوراقاً رابحة في معادلة السياسة الدولية خلال السنوات المقبلة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"