الدور الإماراتي الثقافي القومي

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السويجي

تضحكني الحملة الإعلامية التي يقوم بها مثقفون وأكاديميون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويطالبون فيها بسحب تمويل دولة الإمارات العربية المتحدة لجائزة الرواية العربية (البوكر)، احتجاجاً على توجه الإمارات السلمي في المنطقة، وذلك بعد أن كانوا هم أنفسهم قد دبّجوا مقالات لا حصر لها في مديح دعم الإمارات للحراك الثقافي والأدبي والفني العربي.
ويحار المرء في وصف الحملة المريبة لهؤلاء الذين يدّعون حرصهم على (استقلالية وموضوعية) الجائزة، علماً أن الإمارات لم تتدخل يوماً في إدارتها أو اختيار الفائزين أو في سياستها، بل إن مقالات عديدة كُتبت عن إدارتهم هم للجائزة، وعن لجان التحكيم واختياراتهم، ووجهت إليه اتهامات بالمحاباة. وأصحاب هذه الحملة يجبرون المراقب على التقصّي عن الجهات التي تحرّضهم، فمطلبهم ساذج ولا ثقافي، وهم يعلمون أنه إذا سحبت الإمارات تمويلها للجائزة فإنها ستنهار ولن تقوم لها قائمة، وستخسر الساحة العربية جزءاً كبيراً من وميضها وإشعاعها، كما سيفقد الأدباء مظلة ثقافية كانوا يتفيّؤون تحتها وينتجون إبداعاتهم لأجلها.
هؤلاء يخلطون السياسي بالثقافي بطريقة صبيانية بهدف زعزعة دور الإمارات الإقليمي والقومي الثقافي وريادتها ودورها الجوهري في تحريك ودفع عجلة الإبداع وتنشيط عملية الإنتاج الثقافي والبحث العلمي، ولو دقّقوا قليلاً بما قامت به الإمارات خلال الأعوام العشرين الأخيرة، سيجدون أنها لم تحتكر نشاطها الثقافي لمبدعيها ومثقفيها، ووسّعته ليشمل الساحة العربية، وأبرز مثالين على الصعيد الشعري مسابقتا (أمير الشعراء وشاعر المليون)، حيث أعادتا للشعر العربي رونقه وأصالته، وخلقتا دافعاً استراتيجياً للمبدعين ليطوروا من أدواتهم وجهودهم ومعارفهم، ومنحت المتفوقين مكافآت ساعدتهم على التفرّغ للكتابة الإبداعية، ولم تعد المسابقتان مجرد برنامجين تلفزيونيين عربيين، وإنما مهرجانان للمتفوقين والمتميزين، وأصبح الفائزون أمراء للشعر وليسوا فائزين في برنامج أدبي تلفزيوني.
ونذكر هنا أيضاً إضافة إلى المسابقتين جائزة الشيخ زايد للكتاب، ولا بأس من تذكيرهم بجوائز أخرى عربية وليست محلية مثل جائزة سلطان العويس الثقافية، وأخرى للبحوث العلمية. وجوائز لتكريم المعلّمين والباحثين في الشأنين التربوي والتعليمي مثل جائزة خليفة التربوية التي لم تقتصر أيضاً على الساحة الإماراتية، ولا ننسى جائزة أفضل معلم على المستوى العربي، وجائزة القراءة، وحفظ القرآن، وهناك جوائز علمية وطبية وزراعية، وجميعها تستهدف الباحث العربي. ومن دون شك، لم تنس الإمارات مبدعيها فخصّصت لهم جائزة الدولة التقديرية للآداب والفنون، ومنحتها لكبار الأدباء والفنانين التشكيليين والمثقفين.
حين تتحمل دولة الإمارات مسؤولية النهوض بالثقافة العربية وتطوير البحث العلمي في الوطن العربي، فإنها تقوم بعمل استراتيجي يساعد في حماية الأمن القومي العربي، ويبدو أن أصحاب الحملة لا يفقهون هذه العبارة، لهذا، سنسمح لأنفسنا بوصف متزعميها بالمأجورين والمرتزقة الذين ينفذّون أجندات لا تخدم الثقافة العربية، ولا السياسة العربية، وإنما إلى شق الصف الثقافي لأهداف انتهازية، مثلما حاولوا شق الصف السياسي عن طريق دعمها للإرهاب وتمويله.
الإمارات لا تجبر أحداً على البقاء في مجالس أمناء جوائزها أو في لجان التحكيم، ولكنها لن تتخلى عن دورها الثقافي الإقليمي والقومي والعالمي. نعم أستطيع التحدث باسم دولتي، فقد اعتدنا أن نكون سفراء لوطننا ومتحدثين باسمه ونقول إن الإمارات ستواصل دعم المبدعين والباحثين والمفكرين العرب، لأنهم الخط الأمامي لتمكين هذه الأمة في مواجهة التحديات، ونقول لهؤلاء: قليل من الاعتراف بالجميل، وقليل من الشكر والامتنان، رغم أن الإمارات لا تنتظر شكر أحد، لأنها تقوم بواجبها الثقافي كما تقوم بواجبها السياسي في دفع عجلة السلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"