شرق المتوسط.. شرق إفريقيا

04:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
مهرة سعيد المهيري

تعد منطقة شرق المتوسط مطمعاً كبيراً لدول المنطقة برمتها، لما تحتويه من مخزون هائل من الغاز الطبيعي يقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، لذلك ترغب أنقرة في أن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات. لكن حجم العراقيل التي تواجهها تركيا في السيطرة على المنطقة وفرض إرادتها عليها، جعلها تمد نظرها بعيداً، بحثاً عن مصادر بديلة للطاقة. فتركيا بلد صناعي كبير، ويعد من الدول المزدحمة سكانياً. لذلك فإن الطاقة تبقى محور الاهتمام التركي، خصوصاً أن أنقرة اليوم لا تمتلك مصادر محلية لتوليد الطاقة إلا السدود التي تنشئها على دجلة، والفرات، وتسبب ما نراه من مشاكل مع دول حوض النهرين العراق، وسوريا. لذلك، ولحين أن تجد تركيا حلاً لمشاكلها في شرق المتوسط، وتؤمّن مواردها من الطاقة، فإنها تبحث عن البديل.
البديل الليبي وارد، لكنه من ضمن معادلة شرق المتوسط. والسلطة القائمة في غرب ليبيا وإن كانت تراهن على الدعم التركي، فإنها بمرور الوقت ستجد نفسها أمام خيارين، العلاقة بين تركيا البلد الراعي، والشعب الليبي الذي يرى ثرواته تتبدد. أين تتوجه تركيا من هنا؟
اتجه أردوغان للسيطرة على النفط في الصومال. وقد سعت تركيا لتوطيد علاقاتها بالصومال وافتتحت المدارس، وعملت على تعليم الشعب الصومالي اللغة التركية، كما قام أردوغان، حينما كان رئيساً للوزراء، بزيارة إلى مقديشو عام 2011، إضافة إلى تقديم تركيا المساعدات الإنسانية أثناء المجاعة التي ضربت الصومال في هذه الفترة. ويأتي الاهتمام التركي بالصومال في إطار الأهمية الجيوسياسية للصومال، حيث تشير تقارير إعلامية الآن، إلى أن تركيا استغلت الأوضاع بعد ما سمي «الربيع العربي»، ووطدت علاقاتها بالصومال حتى تم نشر اللغة التركية في مقديشو، وبدأ الصوماليون بتعلم اللغة التركية، التي أصبحت تدريجياً إحدى اللغات الثانية، بجانب العربية، والإنجليزية، ما سهل وجود ولاءات لتركيا في الداخل الصومالي، حيث تقدم أنقرة العديد من المنح الدراسية للطلاب الصوماليين. إضافة إلى الوجود العسكري التركي في الصومال من خلال القواعد العسكرية؛ حيث افتتحت أنقرة في سبتمبر/ أيلول 2017، قاعدة عسكرية كبيرة بجنوب العاصمة مقديشو، وتعد هذه القاعدة (التي تضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى)، أكبر معسكر تركي للتدريب العسكري خارج تركيا، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والصومال نحو 100 مليون دولار حتى عام 2017 فقط.
إن إعلان أنقرة عن وجود طلب من الصومال للتنقيب عن النفط في منطقة البحيرات التابعة للصومال يأتي بعد فشل تركي في الكثير من الملفات، حيث يرغب أردوغان من خلاله إلى سد احتياجات تركيا للطاقة، وهي التي تستورد 90% منها من الخارج، ما يؤكد سعيه إلى تبرير فشله أمام شعبه، وكذلك تشتيت الرأي العام الداخلي في قضايا أخرى ثانوية. وغني عن القول، إن خلق جبهة دولية، للوقوف بحزم أمام المخططات التركية، التي تغذي الإرهاب وتنشر الفساد في الأرض، والتصدي للأطماع التركية اللامحدودة، التي تنذر بالتصعيد الإقليمي، سوف يجبر أنقرة على الجنوح إلى لغة المنطق في تعاملاتها بعيداً عن أي مواقف أو قرارات قد تكون ذات تأثير سلبي في المنطقة. فأردوغان يسعى لإدخال المنطقة في صراعات مريرة وموجة جديدة من الفوضى، والعنف، والإرهاب، وهذا ليس جديداً على سلوكات النظام التركي، فهو الذي شرّع حدوده للإرهابيين.
لقد حان الوقت لاتخاذ موقف خليجي وعربي تجاه التدخلات التركية السافرة في الدول العربية، لأن سياسة أنقرة في المنطقة تقوم على أجندة توسعية، وتخالف كل أعراف العلاقات الدولية والقانون الدولي. إن الأطماع الأردوغانية أتت في إطار مساعيه لإحياء العثمانية الجديدة وبسط نفوذ واسع لأبناء أتاتورك على منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. ويجب على تركيا أن تعي أن الشرق الأوسط على دراية، وعلم، ووعي كبير بمخططها الفاشل، وأن الأمر اصبح واضحاً للجميع، ويبدو أن هاجسها تشغيل ماكينات الدعاية لإشغال الرأي العام التركي بالوعود الزائفة لوقف التدهور في الشعبية، وتالياً تثبيت سيطرة أيديولوجية عمادها التنظيم الدولي ل«الإخوان» المسلمين، بزعامة أردوغان، فيتساكن مشروعه الخطير مع الهلال الفارسي، ودوماً مشاريع التطرف في المنطقة تتساكن، وتتعايش، وتحاذر أي اصطدام فيما بينها، وترتب الأثمان الكبيرة على العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"