هل ما زالت أمريكا قائدة العالم؟

04:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

الآن، وبعد أن أفاضت دراسات وتقارير المتخصصين من الخبراء، وكبار الساسة في العالم، في تشخيص حال النظام الدولي، بعد أزمة «كورونا»، من زاوية قيادة العالم، فإن هذه القضية صارت الآن، هي الشغل الشاغل للأمريكيين أنفسهم.
البعض من هؤلاء يستشهد بمقولة سبق أن قالها الزعيم البريطاني ونستون تشرشل لأحد رؤساء أمريكا، وهي أن وضع الدولة العظمى كقيادة للعالم له ثمن لابد عليها أن تسدده.. والثمن هو المسؤولية. ثم يضيف هؤلاء، أن رسالة تشرشل لا تزال صالحة إلى اليوم.
هؤلاء أدلوا بدلوهم فى هذه المسألة، حين استطلعت آراءهم صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» ذات التأثير، وهي تضع أمامهم السؤال القائل نفسه: هل صارت أزمة فيروس كورونا سبباً في القلق من تحول نظرة الدول الأخرى إلى أمريكا كقيادة عالمية؟
الدبلوماسي الكندي المخضرم جيريمي كنسمان، قال: الآن نحن أمام تقييم للقيادة الأمريكية للعالم. رئيس وزراء السويد السابق كارل بيلدت، قال: ليست هناك حتى الآن إشارة إلى سحب قيادة العالم من أمريكا. لكن الكاتب الإيرلندي الشهير فينتان أوتول، تساءل: هل تسترد أمريكا مكانتها، من الموقف المخجل الذي وجدت نفسها فيه أمام كورونا؟ وقال نحن لم نر مثل هذا الفراغ في قيادة العالم، منذ انهيار الإمبراطورية الإسبانية، في القرن السابع عشر.
ولم يحدث أن رأينا مشاعر مضادة لأمريكا، كالتي نراها الآن، والتي وصلت إلى حالة تثير الأسى.
ويقول باراج خانا، المستشار السابق «للبنتاجون»، أن ديناميكية القوة هي أساس قوة الدولة ومكانتها. فأين هذه الديناميكية فيما جرى من مواجهة كورونا؟ ثم إن صناع القرار الآن يتصرفون من دون أن يكون لديهم برنامج لعملهم.
وفي المجال نفسه، أثارت حملة «لوس أنجلوس تايمز» مؤسسات سياسية متعددة للخوض في هذه المسألة، منها كلية الشؤون الدولية والعلوم السياسية بجامعة نيوآرك، التي نظمت حواراً أكاديمياً تحت عنوان «نهاية قيادة أمريكا للعالم»، وتعددت آراء المشاركين، منهم من قال إن رؤساء أمريكا أمضوا قدراً كبيراً من قوتهم في العقود الأخيرة، في المناداة بقيادة أمريكا للعالم.. لكنهم يكثرون من الكلام.
والبعض من المشاركين قال إن سياستهم الآن هي في فوضى، وفي تضعضع خطير. وإن بدايات ذلك كانت ظهرت قبل «كورونا».، وإن للقيادة العالمية مظهرين، أولهما أن تلك الدولة تكون هي الأقوى اقتصادياً، وعسكرياً، ويتوافر لديها أفضل تكنولوجيا متطورة، والثاني أن تكون لدى الدولة القائدة إرادة، وألّا تهوّن من مكانة الآخرين. وأن تطلق نظرتها الممتدة للعالم بأكمله، إلى جانب نظرتها لمصالحها الخاصة.
واتفق معظم الحاضرين على أن أمريكا لا تزال تتمتع بتفوق عسكري في موازين القوة العسكرية حول العالم، ويصل إنفاقها على التسلح إلى نسبة 40% من إنفاق الدول الكبرى مجتمعة. ولديها ثراء في الثروات الزراعية والإنتاجية، وفي التطور التكنولوجي، والتعليم، لكن ذلك لم يساعدها على إثبات قدراتها العسكرية تحديداً، نتيجة ما واجهته تدخلاتها في دول أخرى، من قوة إرادة شعوب هذه الدول، أو نتيجة لسوء التخطيط للحرب، وهو ما جرى لها من فشل عسكري في فيتنام، قياساً على العنصر الأول، ومن تعثر عسكري في العراق قياساً على العنصر الثاني.
واتفقت بعض الدراسات على أن أمريكا يمكن أن تفقد التفوق الذي تعززه إمكاناتها، لسببين، أولهما أن يلحق بها تدهور اقتصادي، وهو ما قد يجره عليها وباء كورونا، والثاني أن يكون هناك تكثيف مبالغ فيه في التركيز على مصالحها الذاتية، بما ينعكس على نظرة حلفائها وأصدقائها نحوها.
وفي مركز التنمية الدولية بجامعة هارفارد، قال ريتشارد هوسمان، مدير المركز، إن أمريكا لم تفشل في قيادة العالم فقط، بل إنها خذلت شعبها أيضاً، وهو فشل للقيادة الأمريكية داخل أمريكا نفسها.
وحسبما يقول البروفيسور ويليام هاناج، بجامعة هارفارد، إذا كان الرئيس ترامب وصف نفسه برئيس زمن حرب، وأن «كورونا» هي العدو، فكيف للولايات المتحدة أن تخوض حرباً بسياسات منفصلة عن بعضها بعضاً لخمسين ولاية؟ بينما الحرب لابد لها من تعبئة على المستوى القومي.
ثم تعقب صحيفة «لوس انجلوس تايمز» على مختلف هذه الآراء، التي جاءت رداً على سؤالها: هل صارت أزمة فيروس كورونا سبباً في القلق من تحول نظرة الدول الأخرى إلى أمريكا كقيادة عالمية؟
ثم تختتم طرحها لهذه القضية بالقول: ربما تكون هذه هي المرة الأولى خلال عقود التي ينبغي علينا فيها أن نبدأ بالقلق مما يقوله الآخرون عنا، نحن الأمريكيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"