الجامعة أقوى من البرلمان

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. نسيم الخوري

عن أية سنة جامعية يتحدث رئيس الجامعة اللبنانية؟ وعن أيّ طلاّب أو أبناء عائلات مشردة مغمّسة بالمآزم حيث لا مال ولا مسؤولين بل فقر مدقع؟

غالباً ما يباشر رؤساء الجامعات العالميّة بافتتاح العام الجامعي الجديد بخطبٍ تصبح وثائق وطنية وبرامج عمل مستقبليّة الآفاق والتأثير والتقدير. إشكاليات أن يصبح نص الخطاب مشدوداً كي لا أقول ممزّقاً بين السياسية والأكاديمية أمر حصل معي كاتباً، بما دفعني للاحتفاظ بالنسخ الأولى للخطب قبل تنقيحها كي لا أقول تشويهها بالاستعجال والاسترضاء السياسي في لبنان.

سأخرج نصي من زوايا لبنان المؤلمة إلى الجامعة. أوّلاً، لأنّ لبنان يضجّ بسفراء وقناصل ومبعوثي العالم نحو بلدٍ منهوك الأضلاع المتساوية بالانهيارات الاقتصادية والكورونا وزلزال المرفأ وثانياً لأنّ الحرائق والثورات والمظاهرات والأزمات والحكومات الماضية والآتية هائمة عبر أنفاق مستوردة لتصريف أحزان اللبنانيين ومستقبلهم في مساحة من غابة عليّق سياسيّة كيفما تحرّكت فيها تعلق وتتعدّد المصائب والجروح وتنحسر الحريّة.

ببساطةٍ كليّة، سأخرج في الواقع، إلى تعميمٍ أصدره رئيس الجامعة اللبنانيّة فؤاد أيّوب وربّما سها عنه معاني مفردة فؤاد الزاخرة بالمعاني أو هو لم يقرأ، ربّما، كفايةً عن صبر النبي أيّوب ماضياً وحاضراً. لذا أحفر لحبري للحكم بندرة العثور على لبناني قابلٍ بهذا اللبنان بصفته أيّوباً صابراً بعد على سياسييه ومسؤوليه وحكّامه ومؤسساته ومدارسه وجامعاته. خارق من لم يسمع انفجار الصبر في ذريّة النبي أيّوب في وجه لبنان الرسمي.

ماذا يقول تعميم د. فؤاد أيّوب، حامل الرقم 34، بعنوان «التوجيهات والإرشادات الواجب التقيد بها من قبل الطلاب الراغبين بالتسجيل في الجامعة اللبنانية للعام الجامعي 2020-2021»:

«يطلب أوّلاً من الطلاب الذين يرغبون بالتسجيل الالتزام بعدم توجيه الانتقادات إلى الجامعة والمسؤولين فيها. وثانياً،«احترام سمعة الجامعة ومسؤوليها وأساتذتها»، وثالثاً، «عدم ارتكاب أيّ تجاوز تجاههم على شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر أية وسيلة من وسائل النشر المرئي أو المقروء أو المسموع أو المعلوماتي». ورابعاً «وفي حال وجود شكوى، إرسالها إلى العنوان البريدي التالي[email protected].l» أمّا خامساً فيطلب «عدم بثّ الشائعات والترويج للأكاذيب، بغية الهروب من إتمام الواجبات المطلوبة أو إثارة الهلع لدى سائر الطلاب وأهلهم».

عن أيّة سنةٍ جامعية وعن أيّ طلاّب أو أبناء عائلات مشردة مغمّسة بالمآزم حيث لا مال ولا مسؤولين، بل فقر مدقع ومشاكل زوجية وعائلية وانتحارات وجنازات وقتلى وشهداء وجرحى ومعاقين وفشل التعليم الجامعي العام الماضي عن بعد، وتفاقم كارثة انقطاعات الكهرباء والإنترنت وهجرة طلاب الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانية؟

لقد سقط هذا التعميم الستاليني المرتجل يمهّد للسنة الجامعية 2021 في لبنان، على رؤوس الطلاب والأساتذة في لبنان، وكأننا في بلدٍ آخر لا علاقة له بتاريخ لبنان، وكأنّ وطننا أضاع اسمه وكنيته وما عادت جامعاته تدرك رسالة الجمع في زمن التشظّيات، وكأنّ به بيان صادر عن رئيس جامعة في بيونج يانج يشرف عليها مجلس أمناء برئاسة كيم جونج أون، كما وصفه أحد الزملاء على صفحته الفايسبوكيّة.

لن يقوى الآباء اليوم ولا رؤساء الجامعات أو رؤساء الدول في العالم، على أبنائهم وأحفادهم إلاّ بالإقناع والإبداع وفهم الكيانات والطاقات الطلاّبية الهائلة. لكل طالب كيان وشأن وسلطات ومخترعات. ففي أي عصرٍ يعيش أيّوب؟ قليلاً من الصبر على فلذات أكبادنا النازفة، فطلاب الجامعات سيعيشون الحريّة وقد أسميته الفطام الخامس، هؤلاء هم أعمدة الجامعات والأوطان ومستقبلها. كنّا ننتظر أن تنقر بسبابتك، لتخبرنا، قبل أي شيء، عن أعداد الطلاب الذين سيتدفّقون على الجامعة اللبنانية في زمنٍ صعب وكارثي لم يعد يقوى لبناني أن يدفع أقساط الجامعات الخاصّة؟

يكفيك يا زميلي، النقر بسبابتك على جوجل ليستقبلك مارك زوكيربرج وهو من عمر أحفادك (14 أيّار 1984) ليشرح لك بأنّه عند تخرجه في أكاديمية «اكستر» في العام 2002، التحق بجامعة هارفارد وبدأ يقوم بعمليات تطوير في الجامعة رقم واحد على مستوى العالم، حيث أوجد برنامجاً يسمى «كورس ماتش»، ساعد فيه الطلاب على اختيار صفوفهم بناء على اختيار طلاب النخب السابقين في الجامعة، وعندما بلغ العشرين من عمره أسّس الفيسبوك الذي يغزو العالم اليوم.

أرسل لي الشهيد الحبيب المرحوم جبران تويني العام 1992، كلمة مع الصحفي اللمّاع عبدالله عبّود: «الجامعة، يا صديقي، أقوى من البرلمان»، والسبب تقديم ترشيحي للبرلمان وقد كنت أستاذاً جامعيّاً ومديراً لكليّة الإعلام. ولربّما رحمه الله كان الرجل على حق.

لو استشار فؤاد أيّوب اليوم مارك زوكيربرج بتعميمه لنصحه بالاعتذار قطعاً وفوراً من طلاّب لبنان والعالم إن لم يطلب منه أكثر، فهل نخنق أنفاس الأجيال والجامعات بعد، لطالما الفكر في بلادنا محكوم ب"السلطات الثلاث" وأعني بها الجنس والسياسة والدين؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"