المنطقة الوسط في ملف الوباء

03:41 صباحا
قراءة 5 دقائق
سليمان جودة

هناك منطقة وسط تقول إن الحذر واجب وإن الالتزام بالكمامة في أماكن التجمعات مطلوب

ربما لا يعرف كثيرون بيننا أين تقع كرواتيا على خريطة العالم، وربما لا يعرف هؤلاء الكثيرون أنفسهم أن كرواتيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وأنها دولة كاملة العضوية في الاتحاد، شأنها في ذلك شأن فرنسا، أو إيطاليا، أو أسبانيا، أو غيرها من الدول التي تتمتع بعضوياتها القديمة.

ولكن الذي نعرفه من وكالات الأنباء العالمية، أن العاصمة الكرواتية زغرب، قد امتلأت خلال أيام مضت بالتظاهرات التي خرجت بالآلاف تدعو إلى نزع الكمامة الطبية، وتصف فيروس كورونا بأنه أكذوبة كبيرة، وتقول إن من حق الناس أن يستمتعوا بحياتهم الطبيعية، وأن يعيشوها كما عاشوها قبل أن يحل عليهم هذا الضيف الثقيل الذي يحمل اسم «كورونا».

وليست هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها تظاهرات لهذا الغرض في أوروبا، ولا هي المرة الأولى التي تخرج فيها حشود بهذه الأعداد الضخمة ضد قيود الفيروس التي صبغت حياة الملايين حول العالم بالكثير من التعاسة، والاكتئاب. فالتظاهرات الرافضة للقيود لا تتوقف منذ أسابيع في برلين، وفي روما، حتى لتنطلق في غيرهما من العواصم الأوربية الكبيرة.

ولكنها المرة الأولى التي نتابع فيها تظاهرات بالآلاف تجوب العاصمة الكرواتية المعروفة بقلة عدد سكانها، لتدعو ليس إلى عدم عودة الإغلاق، أو الحظر من جديد، ولكن إلى نزع الكمامة نفسها.. تظاهرات لا تجد حرجاً في أن تصف «كورونا» بأنه مؤامرة كبرى، وأن غير المفهوم في تفاصيله أضعاف المفهوم، وأن يوماً سوف يأتي يتبين لنا خلاله في الملف بكامله ما لا نراه في هذه اللحظات.

وكان من الطريف، ومن الغريب معاً، أن تحمل لافتات التظاهرات في زغرب شعاراً يقول: لسنا كلنا مصابين بغباء «كورونا».

والمعنى أن إحساساً من نوع ما، قد بدأ يتسرب لدى قطاع لا بأس به من الناس في العالم، بأن قيود «كورونا» تنطوي على شيء، بل أشياء من المبالغة، وأن الجماهير التي احتملت الحظر في صيف هذه السنة سوف يصعب عليها أن تحتمله مرة ثانية، وأن الحكومات التي تفكر في إعادة الحظر سوف تواجه تمرداً على مستويات عدة في مواجهة الحظر العائد.

الناس معذورون في الأخذ بهذا الاعتقاد لأسباب تبدو وجيهة، ولكن من الخطر أن يترسخ اعتقاد كهذا بين الملايين، ومن الضروري أن يظل الإعلام يؤكد أن المبالغة من جانب بعض الحكومات في فرض الحظر والقيود أمر قد يثير الشك، ولكنه لا ينفي أن الفيروس حقيقة في النهاية.

والمنطق السليم يشير إلى أن هناك منطقة في الوسط بين فرض القيود على الناس، وتحويل حياتهم بها إلى شيء لا يطاق، وبين نزع الكمامات كلياً، وإلقائها في الشارع.. هناك منطقة وسط تقول إن الحذر واجب، وإن الالتزام بالكمامة في أماكن التجمعات مطلوب، وإنه لا أحد يدعوك إلى أن تضعها وأنت في بيتك، ولكن الحكمة تدعوك إلى وضعها في تجمعات الزحام وحدها.

التشكيك في الهالة المصنوعة حول «كورونا» عالمياً مسألة يمكن فهمها، ويمكن استيعابها، ويمكن هضمها، ولكن التشكيك في وجود الفيروس في حد ذاته موضوع في حاجة إلى مراجعة، لعل العالم يحترس، ويودع هذا الضيف الثقيل في خريف هذه السنة.

سليمان جودة[email protected]

هناك منطقة وسط تقول إن الحذر واجب وإن الالتزام بالكمامة في أماكن التجمعات مطلوب

ربما لا يعرف كثيرون بيننا أين تقع كرواتيا على خريطة العالم، وربما لا يعرف هؤلاء الكثيرون أنفسهم أن كرواتيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وأنها دولة كاملة العضوية في الاتحاد، شأنها في ذلك شأن فرنسا، أو إيطاليا، أو أسبانيا، أو غيرها من الدول التي تتمتع بعضوياتها القديمة.

ولكن الذي نعرفه من وكالات الأنباء العالمية، أن العاصمة الكرواتية زغرب، قد امتلأت خلال أيام مضت بالتظاهرات التي خرجت بالآلاف تدعو إلى نزع الكمامة الطبية، وتصف فيروس كورونا بأنه أكذوبة كبيرة، وتقول إن من حق الناس أن يستمتعوا بحياتهم الطبيعية، وأن يعيشوها كما عاشوها قبل أن يحل عليهم هذا الضيف الثقيل الذي يحمل اسم «كورونا».

وليست هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها تظاهرات لهذا الغرض في أوروبا، ولا هي المرة الأولى التي تخرج فيها حشود بهذه الأعداد الضخمة ضد قيود الفيروس التي صبغت حياة الملايين حول العالم بالكثير من التعاسة، والاكتئاب. فالتظاهرات الرافضة للقيود لا تتوقف منذ أسابيع في برلين، وفي روما، حتى لتنطلق في غيرهما من العواصم الأوربية الكبيرة.

ولكنها المرة الأولى التي نتابع فيها تظاهرات بالآلاف تجوب العاصمة الكرواتية المعروفة بقلة عدد سكانها، لتدعو ليس إلى عدم عودة الإغلاق، أو الحظر من جديد، ولكن إلى نزع الكمامة نفسها.. تظاهرات لا تجد حرجاً في أن تصف «كورونا» بأنه مؤامرة كبرى، وأن غير المفهوم في تفاصيله أضعاف المفهوم، وأن يوماً سوف يأتي يتبين لنا خلاله في الملف بكامله ما لا نراه في هذه اللحظات.

وكان من الطريف، ومن الغريب معاً، أن تحمل لافتات التظاهرات في زغرب شعاراً يقول: لسنا كلنا مصابين بغباء «كورونا».

والمعنى أن إحساساً من نوع ما، قد بدأ يتسرب لدى قطاع لا بأس به من الناس في العالم، بأن قيود «كورونا» تنطوي على شيء، بل أشياء من المبالغة، وأن الجماهير التي احتملت الحظر في صيف هذه السنة سوف يصعب عليها أن تحتمله مرة ثانية، وأن الحكومات التي تفكر في إعادة الحظر سوف تواجه تمرداً على مستويات عدة في مواجهة الحظر العائد.

الناس معذورون في الأخذ بهذا الاعتقاد لأسباب تبدو وجيهة، ولكن من الخطر أن يترسخ اعتقاد كهذا بين الملايين، ومن الضروري أن يظل الإعلام يؤكد أن المبالغة من جانب بعض الحكومات في فرض الحظر والقيود أمر قد يثير الشك، ولكنه لا ينفي أن الفيروس حقيقة في النهاية.

والمنطق السليم يشير إلى أن هناك منطقة في الوسط بين فرض القيود على الناس، وتحويل حياتهم بها إلى شيء لا يطاق، وبين نزع الكمامات كلياً، وإلقائها في الشارع.. هناك منطقة وسط تقول إن الحذر واجب، وإن الالتزام بالكمامة في أماكن التجمعات مطلوب، وإنه لا أحد يدعوك إلى أن تضعها وأنت في بيتك، ولكن الحكمة تدعوك إلى وضعها في تجمعات الزحام وحدها.

التشكيك في الهالة المصنوعة حول «كورونا» عالمياً مسألة يمكن فهمها، ويمكن استيعابها، ويمكن هضمها، ولكن التشكيك في وجود الفيروس في حد ذاته موضوع في حاجة إلى مراجعة، لعل العالم يحترس، ويودع هذا الضيف الثقيل في خريف هذه السنة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"