الجيل الخامس.. الطلقة الأولى في الحرب التكنولوجية

01:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

الثابت أن الحرب التكنولوجية الأمريكية على الصين، ما زالت مستمرة بزخم أكبر وبنطاق أوسع. حيث منعت واشنطن بكين من بيع المعدات الصينية لشبكة عملائها.

يوم الاثنين 24 أغسطس/ آب 2020، نشر مكتب الممثل التجاري الأمريكي على موقعه بياناً صحفياً حول اللقاء بين الولايات المتحدة والصين. ومع أن هذا البيان الصحفي المقتضب، لا يعتد به موضوعياً، نظراً لاقتصاره على تبيان وجهة النظر الأمريكية الإملائية الصريحة، إلا أنه يعكس طبيعة المأزق الذي وصلت إليه العلاقات المتدهورة بسرعة البرق بين البلدين. يقول البيان بأن «السفير لايتهايزر، والوزير منوشين، شاركا في مكالمة مجدولة سابقاً هذا المساء مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو هي، لمناقشة تنفيذ اتفاقية المرحلة الأولى التاريخية بين الولايات المتحدة والصين. وقد تناول الطرفان الخطوات التي اتخذتها الصين لتفعيل التغييرات الهيكلية التي دعت إليها الاتفاقية والتي من شأنها ضمان حماية أكبر لحقوق الملكية الفكرية، وإزالة العوائق أمام الشركات الأمريكية في مجالات الخدمات المالية وقطاع الزراعة، والقضاء على نقل التكنولوجيا القسري، إضافة إلى الزيادات الكبيرة في مشتريات الصين من المنتجات الأمريكية. ورأى الجانبان أنه تم تحقيق تقدم، كما يعربان عن التزامهما باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان نجاح الاتفاقية».

عندما تم التوقيع على هذه الاتفاقية في شهر يناير 2020، التزم البلدان بإجراء مراجعة نصف سنوية لها، لكن تصاعد التوتر في العلاقات بينهما، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا، والركود الاقتصادي الذي عمّ العالم على إثرها، منعت حدوث ذلك. وقد كان من المتوقع أن يناقش الاجتماع، من بين التزامات أخرى، التقدم في مطالب واشنطن للصين بأن تشتري ما قيمته 200 مليار دولار من السلع والخدمات الأمريكية على مدى العامين المقبلين. فجأة اختلف تقييم الجانب الأمريكي لنتائج الاجتماع، إذ أثنى على ما أنجزته الصين من تقدم في تطبيق الاتفاقية، بعد أن كان الرئيس ترامب يرفض إعطاء موعد لعقد هذا الاجتماع، فضلاً عن إعلانه في مقابلة مع «فوكس نيوز» بُثّت يوم الأحد 23 أغسطس/ آب 2020، أنه سينفصل عن الصين «إذا لم يعاملونا بشكل صحيح». مضيفاً «إن الولايات المتحدة ليست ملزمة بالتعامل مع الصين». الجانب الصيني لم يفصح عن حقيقة من تم إنجازه منذ توقيع الاتفاق في يناير الماضي. وبحسب بعض خزانات الأفكار في البر الصيني وفي هونج كونج، وهي مراكز دراسات وأبحاث تابعة للحكومة الصينية، فإن الصين لا تريد الظهور بمظهر المنقذ للرئيس ترامب من السقوط في انتخابات 3 نوفمبر القادم.

أما الثابت فهو أن الحرب التكنولوجية الأمريكية على الصين، ما زالت مستمرة بزخم أكبر وبنطاق أوسع. حيث منعت واشنطن بكين من بيع المعدات الصينية لشبكة عملائها، وطلبت من شركائها في «العيون الخمس»، وهو تحالف خاص بأعمال التجسس والمراقبة، أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ويضم أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، وبريطانيا، إضافة للولايات المتحدة، والذي قام بإنشاء نظام «اشلون» للتجسس أواخر ستينات القرن الماضي - بأن تحذو حذوها وتحظر التعامل مع شركات التكنولوجيا الصينية. كما أمرت واشنطن حلفاءها في الناتو أن يفعلوا الشيء نفسه. والهدف هو حرمان الصين من سوق ونظام التكنولوجيا المتقدمة بغية استعادة التصنيع الذي خسرته الولايات المتحدة والدول الأوروبية لصالح الصين.

من وجهة نظر القانون الدولي، والمتمثل هنا في قواعد واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، فإن تصرف واشنطن على هذا النحو، يعد خرقاً واضحاً وصريحاً لم يقبل به حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين. كان الخرق الأول في «مخطط العزل التكنولوجي الصيني»، هو الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية على شركة «هواوي» الصينية العام الماضي، حيث تعيّن على أي شركة تستخدم 25% أو أكثر من المحتوى الأمريكي، أن تطبق العقوبات الأمريكية. ووسعت أحدث جولة من العقوبات الأمريكية في مايو الماضي نطاق العقوبات لتشمل أي سلع منتجة بمعدات أمريكية، ما وسع نطاق العقوبات إلى ما وراء حدودها.

معلومٌ أن الولايات المتحدة قامت في العقود الثلاثة الأخيرة من عولمة التجارة، بتعهيد تصنيع منتجاتها لشركات في بلدان أخرى، لكنها ما زالت تحتفظ بالسيطرة على الاقتصاد العالمي من خلال سيطرتها على سلاسل عمليات التمويل العالمي: البنوك وأنظمة الدفع والتأمين وصناديق الاستثمار. ومع تدشين سلسلة العقوبات الجديدة، تم الكشف عن مستوى آخر من سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، وهو ذلك المتمثل في سيطرتها على التكنولوجيا، من حيث الملكية الفكرية ومعدات التصنيع الهامة في صناعة الرقائق. الآن أصبح واضحاً لماذا رفضت الولايات المتحدة الموافقة على أي ترشيحات جديدة لجهاز تسوية وفض المنازعات في منظمة التجارة العالمية. فبهذا الإجراء، لم يعد في وسع الصين رفع دعوى ضد عقوبات الولايات المتحدة غير القانونية إلى منظمة التجارة العالمية، لأن جهاز تسوية المنازعات نفسه قد ألغت الولايات المتحدة وجوده عملياً.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"