شفق الديمقراطية

كيف يكبّل اليمين الحريات في الغرب؟
02:42 صباحا
قراءة 7 دقائق

عن المؤلف

تأليف: آن أبلباوم
عرض وترجمة: نضال إبراهيم

من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى أوروبا القارية وما وراءها، تتعرض الديمقراطية الليبرالية إلى الحصار، وفي الوقت نفسه تنتشر تيارات استبدادية قومية في هذه الدول. تناقش آن أبلباوم في كتابها هذه الاتجاهات المعادية للديمقراطية الغربية، وكيفية صعود الأحزاب اليمينية. يسعى هذا الكتاب إلى إلقاء الضوء على الخلل الحاصل في الأنظمة الديمقراطية، وتمهيد طريق العودة أمام القيم الديمقراطية الحقيقية.
تؤكد الكاتبة أن الحكام المستبدين لا يحكمون وحدهم؛ بل يعتمدون على الحلفاء السياسيين والبيروقراطيين والشخصيات الإعلامية لتمهيد طريقهم ودعم حكمهم، فضلاً عن أن الأحزاب الاستبدادية والقومية التي نشأت داخل الديمقراطيات الحديثة تقدم طرقاً جديدة للثروة أو السلطة لأتباعها.
تصف أبلباوم، العديد من المدافعين الجدد عن الديمقراطية اللاليبرالية في البلدان حول العالم، وتوضح كيف يستخدمون نظرية المؤامرة والاستقطاب السياسي ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى الحنين إلى الماضي لتغيير مجتمعاتهم.


هشاشة الحالة الديمقراطية


موضوعها الأكبر في هذا الكتاب الصادر عن دار «دابلدي»، 2020، في 224 صفحة، هو الحالة الهشة للديمقراطية الليبرالية الكلاسيكية، فهي تخشى أن سيادة القانون وحقوق الفرد والجمع بين الانتخابات الحرة والمؤسسات المنظمة للجمهورية قد لا تنجو من هجمة القرن الحادي والعشرين.
وترى أنه حتى المجتمعات الأكثر تقدماً لا تزال وريثة المخاوف والأحقاد القديمة، وتتوتر تحت الضربات المتكررة مثل الحروب المطولة، الاضطرابات الاقتصادية، هجرة السكان، والآن الجائحة العالمية «فيروس كورونا المستجد».
ترى أن هذه التحديات تتجه إلى التعقيد بسبب قوة وسرعة التغيير التكنولوجي، لاسيما المشهد المحير لوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الاتصالات القائمة على الإنترنت التي يمكن أن «تقوض الإجماع وتقسّم الناس أكثر وتزيد من الاستقطاب إلى درجة أن يصبح العنف وحده هو الذي يحدد من يحكم».
وتجد الكاتبة أن كل هذا يفسح المجال للاستغلال من قبل الأفراد والأحزاب السياسية التي تقدم الحلول في شكل سلطة «الرجل القوي»، مع التركيز في كثير من الأحيان على العودة إلى الترتيبات الاجتماعية التقليدية والافتراضات الثقافية.
تروي أبلباوم، قصصاً مماثلة حدثت مع بعض المحافظين الأمريكيين الذين كانت تعتبرهم حلفاء في وقت سابق، قبل أن «ينقسموا إلى نصفين»، والسبب إلى حد كبير بسبب صعود سياسيين مثل سارة بالين وحزب الشاي وترامب. «ما الذي تسبب في هذا التحول؟» أبلباوم تسأل نفسها وقراءها.
في الواقع، أدت الظروف المتغيرة إلى تعتيم ما بدا أنه بزوغ فجر حقبة دولية جديدة في أواخر القرن العشرين. في تلك السنوات، كان الاتحاد السوفييتي ينهار، وتم إلغاء الفصل العنصري، وتشرد المجلس العسكري في أمريكا الجنوبية، وحتى الصين بدت وكأنها تتجه نحو الأسواق الحرة، وربما حتى نوع من الديمقراطية. كان هذا هو الوقت العصيب الذي تجرأ فيه عالم السياسة فرانسيس فوكوياما على تسمية مقال بعنوان «نهاية التاريخ؟»؛ يمكن القول إن قروناً من الجدل حول الاقتصاد والحكم قد أدى إلى إجماع عالمي واسع.
تنضم أبلباوم أيضاً إلى مجموعة من المؤلفين الآخرين في اندهاشها من ميل ترامب إلى تحريف الحقائق ثم الإصرار على صحة تحريفاته. تعود إلى الجدل الذي ثار في الساعات الأولى من رئاسته فيما يتعلق بالحشد أثناء خطاب تنصيبه. أظهرت جميع الأدلة المتاحة أن الحشد سيكون أصغر بكثير من الحشد في يوم تنصيب الرئيس باراك أوباما في عام 2009. لكن ترامب وأتباعه أصروا على روايته للأحداث، وقدموا إشارة مبكرة عن كيفية تحدي وسائل الإعلام والكونجرس وأشكال الرقابة الأخرى منذ ذلك الحين. الهدف هنا هو تشجيع أتباعه على «الانخراط، على الأقل في جزء من الوقت، مع واقع بديل». وبذلك، كما تقول الكاتبة، يصبح المرء متواطئاً في المؤامرة.


صعود الحركات القومية


تشير المؤلفة إلى أن نسبة المسلمين تشكل نحو 4% من سكان إسبانيا. عندما يتم إجراء استطلاع لآراء الإسبان بشأن تخمين النسبة المئوية للمسلمين، يعطي المستطلعون عدداً مبالغاً فيه، وهذا الأمر ينطبق على جميع الديمقراطيات الغربية التي تشهد تناقضاً وأزمة في داخلها. فالإنذار الديموغرافي، سواء كان قائماً على الواقع أو الخيال أو يروّج له إعلامياً، يوفر اختيارات دسمة للحركات القومية التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة.
وأيضاً من النماذج المطروحة في الكتاب السياسي سانتياغو أباسكال رئيس «حزب فوكس» اليميني منذ 2014، ونائب في البرلمان الإسباني منذ 2019. أشارت آن أبلباوم في مسحها الشامل للقوميات السياسية، إلى أن «فكرة أن الحضارة المسيحية بحاجة إلى إعادة تعريف نفسها ضد العدو الإسلامي لها صدى تاريخي خاص في إسبانيا».
يتجاهل اليمين المتطرف حقيقة أن نسبة كبيرة من المهاجرين يأتون من أمريكا اللاتينية الكاثوليكية، وتشير أبلباوم إلى أنه في أحد مقاطع الفيديو العديدة للحملات التي أطلقها أباسكال، «امتطى حصاناً، ومثل الفرسان الذين حاربوا ذات مرة لاستعادة الأندلس من العرب، سافر عبر المناظر الطبيعية في جنوب إسبانيا. مثل العديد من الميمات (الأشكال الخاصة بتطبيقات الإنترنت)، كان الأمر خطِراً، لكنه غير جاد». لقد كان له تأثير بالتأكيد. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حقق حزب فوكس مكاسب ضخمة في الانتخابات العامة، ليصبح ثالث أكبر حزب في إسبانيا.


ترويج نظريات المؤامرة


تتحدث الكاتبة في بداية الكتاب عن بولندا (وهي متزوجة من وزير دفاع وخارجية بولندي سابق). تتذكر حفلة ليلة رأس السنة الجديدة أثناء الاحتفال بفجر الألفية، وتقول: «في تلك اللحظة، عندما كانت بولندا على وشك الانضمام إلى الغرب، شعرت وكأننا جميعاً في نفس الفريق. اتفقنا على الديمقراطية، حول الطريق إلى الازدهار، حول الطريقة التي كانت تسير بها الأمور».
تسمي الكاتبة عدداً من الأصدقاء، وتقول إن العديد منهم يروج لنظريات المؤامرة. هؤلاء الناس لم يفقدوا وظائفهم أو لم يحصلوا على سكن نتيجة ضغط من المهاجرين. إنهم لا يندرجون في فئة «المتخلفين عن الركب»، فهم متعلمون تعليماً عالياً، ويسافرون بشكل جيد، لكن لماذا، إذن، يتبنون وينشرون الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي روجها حزب القانون والعدالة البولندي؟ درس التاريخ الأول الذي يمكن تعلمه هو أن المستبدين يحتاجون إلى دعم جماهيري، لكن كما هو الحال مع الفاشيين في الثلاثينات، يحتاجون أيضاً إلى تعاون الناس في المناصب العالية. وتشير المؤلفة إلى أنه «في ظل الظروف المناسبة، يمكن لأي مجتمع أن ينقلب على الديمقراطية. في الواقع، إذا كان التاريخ يعلما شيئاً فهو أن كل مجتمعاتنا ستفعل ذلك في النهاية».
تتذكر أبلباوم أنها التقت لأول مرة بمديرها، ماريا شميدت، في عام 2002 خلال افتتاح متحف بيت الإرهاب، الذي يروي تاريخ القمع الشيوعي والفاشي، وهو أحد المحطات الأولى لزوار بودابست، مشيرة إلى أنه، في السنوات الأخيرة، مسار شميدت قد اتبع مسارات كثيرين: فهي تلقي باللوم على الأجانب في مشاكل هنغاريا.. خلال اجتماع كانت فيه سيئة المزاج، نفثت شميدت عن غضبها تجاه كل أولئك الذين يسعون لتقويض «الهنغارية». عادة ما يكون الملياردير المحسن جورج سوروس هو الأول على قائمة أعداء الدولة القومية الهنغارية، والذي تم إغلاق جامعته في أوروبا الوسطى. تقول أبلباوم إن شميدت أخبرتها أن وسائل الإعلام الغربية والدبلوماسيين الغربيين «يتحدثون من موقع علوي مع من هم في الأسفل، كما كان الحال مع المستعمرات».


تحولات وأسئلة


تقول الكاتبة: «اليوم ليس عام 1937. ومع ذلك، هناك تحول مواز يحدث في زماننا، سواء بين المفكرين والكتاب والصحفيين والناشطين السياسيين في بولندا، البلد الذي عشت فيه لمدة ثلاثة عقود، وكذلك في بقية الدول، في المجتمعات التي ندعوها الغرب. يحدث هذا التحول في كل مكان دون ذريعة وجود أزمة اقتصادية من النوع الذي عانته أوروبا وأمريكا الشمالية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي.
كان الركود في الفترة 2008-2009 عميقاً، لكن- على الأقل حتى انتشار جائحة فيروس كورونا- عاد النمو. كانت أزمة اللاجئين في 2015-2016 صدمة، لكنها خفت حدتها. بحلول عام 2018، توقف اللاجئون من شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الغالب عن القدوم إلى أوروبا، وذلك بفضل الصفقات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي والساسة مع تركيا.
وتضيف: «على أي حال، لم يتأثر الأشخاص الذين أكتب عنهم في هذا الكتاب بأي من هاتين الأزمتين. ربما لم يكونوا جميعاً ناجحين كما يودون، لكنهم ليسوا فقراء وريفيين. لم يفقدوا وظائفهم بسبب العمال المهاجرين. في أوروبا الشرقية، هم ليسوا ضحايا التحول السياسي منذ عام 1989، أو ضحايا السياسة بأي شكل من الأشكال على الإطلاق. في أوروبا الغربية، هم ليسوا جزءاً من طبقة دنيا فقيرة، ولا يعيشون في قرى منسية. في الولايات المتحدة، لا يعيشون في مجتمعات دمرتها المواد الأفيونية، ولا يقضون الكثير من الوقت في تناول العشاء في الغرب الأوسط، وهم في الواقع لا يطابقون أياً من الصور النمطية الكسولة المستخدمة لوصف ناخبي ترامب على الإطلاق، بما في ذلك بعض الصور النمطية الكسولة التي اخترعوها بأنفسهم. على العكس من ذلك، فقد تلقوا تعليمهم في أفضل الجامعات، وغالباً ما يتحدثون لغات أجنبية، ويعيشون في مدن كبيرة لندن وواشنطن ووارسو ومدريد».
لكن السؤال الذي تطرحه مجدداً: «ما الذي تسبب إذاً في هذا التحول؟ هل كان بعض أصدقائنا مستبدين دائماً؟ أو هل تغير الأشخاص الذين تعاملنا معهم في الدقائق الأولى من الألفية الجديدة بطريقة ما خلال العقدين التاليين؟» في غضون ذلك، تأمل أبلباوم أن الوباء «سيلهم إحساساً جديداً بالتضامن العالمي»، لكن مع وجود مخاوف لها من أن يكون له تأثير معاكس، وأن «الخوف من المرض سيخلق الخوف من الحرية» ويمكّن المستبدين.


مكان مظلم وكابوسي


تنتقل الكاتبة إلى الإعلامية والمعلقة السياسية المحافظة لورا إنغرام، قائلة عنها: «لقد صورت، مثل العديد من الآخرين في عالم فوكس نيوز، المهاجرين غير الشرعيين على أنهم لصوص وقتلة، على الرغم من الأدلة الدامغة على أن المهاجرين يرتكبون جرائم أقل بشكل عام من الأمريكيين المولودين في الولايات المتحدة»
. قد يكون التقدم الوظيفي هو الذي وجهها، لكن أبلباوم تعتقد أن الأمر أكثر من ذلك. وتقول إن الإجابة قد تكمن «في عمق يأس إنغرام». إنها ترى أمريكا، بحسب أبلباوم، على أنها «مكان مظلم وكابوسي، ومكان يغدق الله بخيراته فقط على عدد قليل من الناس. مكان ماتت المثالية فيه؛ وتقترب فيه ملامح نشوب حرب أهلية وعنف؛ مكان تنغمس «النخبة» في الانحطاط والفوضى والموت».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس