المعركة حول شبكة الجيل الخامس و«هواوي»

01:55 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد الصياد *

أصبحت المعركة على شبكات الجيل الخامس، وشركة هواوي الصينية، هي الأرضية التي تدور عليها الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة، والصين. وتشير التوقعات الى أن حجم سوق تجارة الجيل الخامس، بما فيها معدات التركيب والشبكات، سيصل إلى 48 مليار دولار بحلول عام 2027. وما هو أهم من هذا، التوقعات بأن يدفع ذلك لتوليد تريليونات الدولارات من الناتج الاقتصادي عبر انشاء وتثبيت شبكات الجيل الخامس. وبالتالي، فإن أي شركة، أو دولة تتحكم في تقنية الجيل الخامس، سوف تتمتع بميزة على الآخرين في هذا المجال الاقتصادي والتكنولوجي.

وغني عن القول إن شبكات الجيل الخامس سوف تعزز سرعات الإنترنت اللاسلكي بمعامل يتراوح ما بين 10 إلى 40. وحالياً، يتوفر الإنترنت عالي السرعة في المناطق الحضرية المكتظة فقط، وعبر شبكات كابلات الألياف الضوئية فقط. وشبكات الجيل الخامس، ستعمل على توسيع نطاق توفر الإنترنت عالي السرعة بما يتجاوز هذه الحدود، من دون الكلفة الباهظة للكابلات، بما يمكّنها من الوصول إلى المراكز السكانية الأقل كثافة، بما في ذلك المناطق الريفية، باستخدام الإنترنت عالي السرعة بتكاليف أقل بكثير. والمجالان الآخران اللذان سيستفيدان من تقنية الجيل الخامس، هما السيارات ذاتية القيادة، وإنترنت الأشياء، حيث تتواصل وسائل اتصالنا مع بعضها بعضاً عبر الإنترنت اللاسلكي. وعلى الرغم من أن السيارات ذاتية القيادة لا تزال بعيدة بعض الشيء عن تطبيقات هذه التقنية، إلا أن إنترنت الأشياء قد يصبح قريباً أكثر أهمية

من هم اللاعبون الآخرون في فضاء الجيل الخامس؟ بخلاف «هواوي»، هناك لاعبون رئيسيون آخرون هم شركة سامسونج الكورية الجنوبية، ونوكيا الفنلندية، وإريكسون السويدية، وZTE الصينية. وفي حين أنه ليس لدى الولايات المتحدة لاعب رئيسي في ميدان معدات الشبكة، إلا أنها تمتلك شركة كوالكوم، التي تصنع المكونات والشرائح اللاسلكية، وشركة «أبل».

وكانت العقوبات الأمريكية هاجمت «هواوي» في وقت سابق باستخدام موقعها المهيمن على البرمجيات، ومنها نظام أندرويد من «جوجل»، المسؤول عن تشغيل معظم الهواتف المحمولة في الصين، كما هو الحال مع معظم الهواتف المحمولة الأخرى، باستثناء هواتف أبل. كما أن معظم شركات المعلوماتية والهواتف الذكية تصنع معالجاتها في مسابك السيليكون الأمريكية التي تعد أكبر مسابك السيليكون في العالم، بحصة تصل الى نحو 48% من السوق العالمي، فيما يحوز المسبك الثاني في العالم الذي تملكه شركة سامسونج الكورية الجنوبية، على 20%، وهو يلبي حاجاتها الداخلية، إضافة الى الطلبات الخارجية. وتمتلك الصين خامس أكبر مسبك للسيليكون في العالم، وهي الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC)، لكنها لا تزيد على عُشر حجم شركة TSMC التايوانية التي تمتلك مع شركة سامسونج الكورية تقنية 7 نانومتر الأكثر تقدماً، في حين تمتلك SMIC حالياً تقنية 14 نانومتر الأقل تقدماً.

الهجوم الأمريكي الأول الذي استهدف منع «هواوي» من استخدام البرامج الأمريكية، اضطرها لتغيير نظام تشغيل أندرويد للهواتف المحمولة من «جوجل» الذي تستخدمه الهواف الصينية كافة، كما هو الحال بالنسبة لمعظم هواتف أبل، وكذلك الحال بالنسبة للتطبيقات المختلفة في متجر جوجل. ولأنها توقعت هذا الهجوم، فقد شرعت مبكراً في انشاء نظام التشغيل الخاص بها، وهو نظام HarmonyOS، وكذلك متجر التطبيقات الخاص بها. كما أنها تستخدم نسخة مفتوحة المصدر من أندرويد، ومتجر تطبيقات App Gallery، كبديل لمتجر جوجل بلي ستور. وقد شملت العقوبات الأمريكية في البداية حرمان هواوي من أية معالجات مصممة من قبل ARM لمعدات الشبكات والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة التي تتضمن أكثر من 25% من المحتوى الأمريكي. وحين تبين أن المحتوى يقل عن هذه النسبة، سارعت إدارة ترمب في شهر مايو الماضي لتغليظ العقوبات لتشمل حظر استخدام أي معدات من أصل أمريكي لإنتاج مكونات، أو أنظمة لشركة هواوي. لكن هواوي لديها مخزون مدته نحو 18 شهراً، تقوم خلالها بالبحث عن بديل. وبحسب الخبراء، فإن هواوي سوف توظف ريادتها الكبيرة في مجال أجهزة الراديو والهوائيات التي تعد مكونات رئيسية في شبكات الجيل الخامس، في تخطي ميزات المنافسين، وقد تتمكن شركة SMIC الصينية في شنجهاي من التحول الى تقنية 10 نانومتر بسرعة، ما يقلل الفجوة بين معالجاتها ومعالجات الآخرين. ويمكن أن توفر هواوي حلاً كاملاً لشبكات الجيل الخامس (الشبكات والهواتف المحمولة العاملة بتقنية الجيل الخامس)، وتثبيته بشكل أسرع من غيرها.

ومن المؤكد أن «اللعبة» لم تنتهِ بعد، كما يعتقد البعض. وبالعقوبات الجديدة تمكنت الولايات المتحدة مؤقتاً من تأمين مزايا لشركاتها والشركات الغربية الأخرى. لكنها حفزت أيضاً المنتجين خارج الولايات المتحدة، وهم يشاهدون هذه العقوبات، على الابتعاد عن المعدات والتقنيات الأمريكية. فمثل هذه العقوبات هي عبارة عن سلاح ذي حدين. وهي لذلك تشكل لعبة كبيرة لهواوي وللصين في حرب التكنولوجيا مع الولايات المتحدة. وكما هي الحال مع أي حرب أخرى، ليست معركة واحدة في ساحة واحدة هي التي ستقرر من سينتصر. فالجيل الخامس هو مسرح معركة واحد فقط؛ وهناك العديد من مسارح العمليات. وفي الكثير منها، تمتلك الصين أوراقاً قوية. أما بقية العالم، فهم لن يكونوا مجرد متفرجين، وإنما سيتعين عليهم أيضاً أن يقرروا أين يكمن مستقبلهم؟ ليس كخيار ثنائي بين الولايات المتحدة والصين، وإنما كلاعبين مستقلين. وفي الأخير فإن القوى الكبرى للاقتصاد السياسي على المستوى العالمي، هي التي ستقرر هذه الحرب، ومصيرها.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"