كيف ننتصر بالسلام؟

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. ناجي صادق شراب

لا يملك الفلسطينيون الوقت الكافي للاستمرار في الانقسام. ويبقى خيار السلام المدعوم عربياً أحد أهم الخيارات.

الرئيس نيكسون سأل يوماً: كيف ننتصر بلا حرب؟. أجاب الكاتب الأمريكي جوزيف ناي بالقوة الناعمة. والقوة الناعمة لم تعد حكراً على دولة دون الأخرى. كل الدول والشعوب تملك الكثير من القوة الناعمة. هذا السؤال أكرره على المستوى الفلسطيني كيف ينتصر الفلسطينيون بلا حرب؟. فرضية هذا السؤال أن الفلسطينيين لن ينتصروا في أي حرب عسكرية على «إسرائيل». هذا خيار مستبعد تماماً، فلا يمكن المقارنة بين قوة إسرائيل العسكرية، وقوة الفلسطينيين العسكرية. والفرضية الثانية أن الخيار العسكري يستلزم إنفاقاً كبيراً، وهذا يفوق مقدرة الفلسطينيين.

السؤال.. ما البديل لذلك؟. الإجابة نجدها في كتاب «فن الحرب» للاستراتيجى الصيني سون تزو الذى كتبه قبل قرابة 2500 عام، ولخص فيه خبرته وأفكاره. وفي الكتاب يضع مراحل زمنية لهزيمة الخصم. ويقول أفضل طريقة لهزيمة الخصم هي إبطال وإفساد كل ما يمثله من قيم وأخلاقيات، وألّايترك أن يعيش كما يريد، ويقدم نصيحة التظاهر بالضعف عندما تكون قوياً، والتظاهر بالقوة عندما تكون ضعيفاً. حتى لا يجرؤ على مهاجمتك. ويضيف، نصيحة مفيدة للحالة الفلسطينية عندما يكون مرتاحاً ابدأ بإنهاكه. ولا تدعه يكون مستريحاً، بأن تجعله يتحرك دائماً.

ومن ناحيته يرى العميل السوفييتي يورى بيزينوف أن الصراع يمر بعدة مراحل:

المرحلة الأولى: إسقاط الأخلاق، وهذه المرحلة تحتاج من 15-20 عاماً، والمرحلة الثانية زعزعة الاستقرار وتحتاج من 2-5 أعوام، والمقصود إذكاء النعرات الطائفية والعصبيات في المجتمع، ثم مرحلة الأزمة وتحتاج إلى 16 شهراً، وقد ينتج عنها انقلاب ودخول المجتمع في حرب أهليه. وأخيراً، مرحلة خلق الرموز والشخصيات التي تدين بالولاء للعدو.

وبعيداً عن التسلسل الزمني لهذه المراحل، فإن العبرة هنا بالمدلول العام لهذه المراحل. ولست بصدد المقارنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في تطبيق هذه المراحل، لكن بداية لا بد من التأكيد فلسطينياً، أن الفلسطينيين لم يعتمدوا هذه المراحل منذ بداية الصراع، أي منذ أكثر من سبعين عاماً، أما اليوم فلا يبدو أن الفلسطينيين لديهم الصبر على الانتظار.

هذه المراحل قد تكشف في بعض جوانبها عن أمور مهمة ينبغي التركيز عليها، وخصوصاً المتعلق بالجانب الأخلاقي والقيمي. لم ينجح الفلسطينيون في هذا الجانب المهم من الصراع، فقوة إسرائيل تمثلت في تقديم نفسها على أنها صاحبة رسالة أخلاقية وديمقراطية وسط عالم متخلف . وأن هذا الطرف- وتقصد الفلسطينيين- لا يصلحون لإدارة دولة، خصوصاً أنهم فشلوا في بناء سلطة وغرقوا في الانقسام. وكان على الجانب الفلسطيني التركيز على سياسات الاحتلال، والتفرقة العنصرية، وسياسات إهانة الكرامة الإنسانية التي تمارسها إسرائيل على كل الشعب الفلسطيني. والخطأ الذي وقع فيه الفلسطينيون قولهم بأنهم الأقوياء، وهذا خطأ استفادت منه إسرائيل؛ حيث بدت وكأنها الضحية. فالضعف في كثير من الأحيان قوة.

لم يحسن الفلسطينيون توظيف عناصر القوة والضعف لديهم، وحوّلوا الصراع إلى صراع قوة وصراع مواجهة عسكرية، ومن شأن هذا الخيار أن يفقد القضية الفلسطينية الكثير من قوتها الشرعية. عناصر القوة لا تعني الاستسلام أو الخنوع، بقدر ما تعني القوة في داخلها. الانتصار على العدو والخصم ليس بالضرورة أن يكون بالقوة العسكرية وهي غير متكافئة وستبقى. عناصر القوة المتاحة كثيرة، ولا ينبغي التقليل منها خصوصاً أن القضية الفلسطينية قضية لها بعدها الإقليمي والدولي، وعليه يمكن تحديد عناصر القوة على مستويات القضية، والعمل على تفعيلها، والخطوة الأولى تكون في بناء نظام سياسي ديمقراطي توافقي تشاركي، أي بتفعيل المتغير الداخلي، وهذه هي الخطوة المفقودة والضائعة مع استمرار خيار الانقسام. لا يملك الفلسطينيون الوقت الكافي للاستمرار في الانقسام، وإجهاض خياراتهم وعناصر القوة المتاحة. ويبقى خيار السلام المدعوم عربياً أحد أهم الخيارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"