هيكل.. ظاهرته ودوره

03:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالله السناوي

أدواره تمددت إلى شراكة فكر مع زعيم ثورة يوليو، صاغ وثائقها وأوراقها ومشروعها، ودافع عنها بعد أن انقضت أيامها.

ظاهرته فريدة ولا مثيل لها بقدر تعدد الأدوار التي لعبها وحجم تأثيره على مدى عقود متصلة. هو الصحفي الأكثر تأثيراً في العالم طوال سنوات القرن العشرين، كما وصفته صحيفة ال«نيويورك تايمز» عند نهاية ذلك القرن. وهو أهم مفكر استراتيجي عربي، كما وصفه الدكتور «جمال حمدان»، وصاحب رؤى لا يمكن تجاهلها في الأمن القومي.

لم يكن ممكناً معرفة خفايا ما جرى في الإقليم من حروب وصراعات لولا ما تضمنته كتبه من قصص موثقة، كما كتب ذات مرة الكاتب الصحفي الراحل «سلامة أحمد سلامة».

لم يعرف نفسه في أي وقت بغير مهنته، فهو في البدء والمنتهى الصحفي محمد حسنين هيكل، غير أن أدواره تمددت إلى شراكة فكر مع زعيم ثورة يوليو، صاغ وثائقها وأوراقها ومشروعها، ودافع عنها بعد أن انقضت أيامها.

طاردته عبر العقود المتتالية ادعاءات أرادت النيل من تجربة يوليو وطبيعة علاقته بزعيمها مثل إنه «مخرج ثورة يوليو» - كما كان يصفه «أنور السادات»، أو مخترع «جمال عبدالناصر» - كما كان يقول «أنيس منصور».

«لا توجد أمة تحترم نفسها تسأل مواهبها الاستثنائية عندما يتقدم بها العمر أن تصمت وهي تستطيع أن تتكلم».

«لم يطلب أحد في الولايات المتحدة أن يتوقف وزير خارجيتها الأشهر هنري كيسنجر عن الكلام وهو يستطيع أن يتكلم، أو عن التعليق على السياسات الدولية الجارية وهو يستطيع أن يضيف».

قيمة القامات الكبرى في السياسة والصحافة والفكر والأدب والفن فيما تتركه من مدارس فكر وتأثير. أحد مصادر قوته أن الماضي لم يكن يقيد نظرته إلى المستقبل. «لا يمكن أن تنظر إلى المستقبل وتفكيرك مقيد بالماضي».

لم يكتب سيرة ذاتية، ولا كان وارداً في تفكيره أن يكتبها، فكل ما أراد أن يتركه أشار إليه في كتاباته وكتبه، أو أودعه على شرائط مسجلة في برنامجه «سيرة حياة»، ونصوصها فُرغت على ورق وضبطت صياغتها لتكون صالحة للنشر، وقد راجعها بنفسه.

على عكس ما اعتقد كثيرون أنه سوف يخلف وراءه سيرة مكتوبة بأسلوبه ل«جمال عبدالناصر» فإنه كان على يقين طوال الوقت أن هناك قضية واحدة تستحق أن تترك وديعة عند أصحاب الحق في المستقبل، أن يعرفوا ماذا جرى في مصر وحولها، وأين كانت معاركها ولماذا يراد أن تتكرس فيها ثقافة الهزيمة؟

قبل رحيله بثلاث سنوات عرضت عليه دار «هاربر كولينز» البريطانية، التي تتولى نشر الطبعات الدولية من كتبه، أن يكتب كتاباً جديداً عن «الربيع العربي» مقابل مليون جنيه إسترليني.

شرع في زيارات خارجية ابتدأها بلبنان للحصول على وثائق يؤكد بها روايته للحوادث العاصفة التي جرت، وكان لديه ما يقوله جديداً وموثقاً.

سألني: «ما رأيك؟». قلت: «إن الكتاب سوف يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً وزيارات إلى عواصم بحثاً عن وثائق ولقاءات مع مصادر تستقصي خلفيات ضرورية لفهم ما جرى، وذلك كله سوف يعطل حضورك العام في لحظة تحول مصيرية».

قال: «هذا أيضاً رأي هدايت» قاصداً السيدة قرينته التي خشيت عليه من أي جهد زائد.

الكتلة الرئيسية من أوراقه أحرقت أثناء العدوان على بيته في برقاش بذات يوم فض اعتصامي «النهضة» و«رابعة العدوية».

ما تبقى أودع في مكتبة الإسكندرية. في الأوراق الخاصة ما يكشف عن طرائق التفكير، وفيها أسرار أخفاها كاتبها وأحكام لم يفصح عنها، وكان قد قرر أن يترك أوراقه الخاصة على النحو الذي كتبت به أول مرة لمن يأتي بعده من باحثين ومؤرخين وصحفيين يدققون في الأصول الخام ويطابقونها بما نشر فعلاً في مقالات وكتب.

في وقت لاحق التفت إلى سجالات صاخبة حول «أوراق بوب وودورد»، ألمع الصحفيين الأمريكيين المعاصرين، نالت على نحو فادح من صدقيته المهنية. كان «بوب وودورد» قد باع ب (٥) ملايين دولار أوراقه، التي صاغ على أساسها كتابه الأشهر «كل رجال الرئيس» عن سقوط الرئيس الأمريكي «ريتشادر نيكسون» بتداعيات فضيحة «ووتر جيت».

بدا لباحثين في الأوراق ومنقبين فيها أن ثمة تناقضات ومعلومات جرى التلاعب بها انتهكت سلامة روايته وقوضت أسطورته الخاصة.

لم يكن الأستاذ «محمد حسنين هيكل» مرتاحاً لفكرة «بيع الأوراق الخاصة»، لكنه بدا مستعداً أن يواجه الاختبار ذاته.. بلا إغراء مال أو إغواء بيع، واثقاً أن التنقيب في أوراقه وأصول تفكيره ينصفه في التاريخ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"