خيارات أمريكا بعد الانتخابات

02:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أولوية الداخل على الخارج في أجندة بايدن تعني بالنسبة للدول الكبرى انشغال الولايات المتحدة بقضايا الداخل على حساب الصراعات الكبرى.

تبدو استطلاعات الرأي الأمريكية في حال من التأرجح وعدم اليقين حول من هو المرشح الأوفر حظاً للرئاسة الأمريكية المقبلة، فعلى الرغم من أن بعض الاستطلاعات تعطي الأفضلية للمرشح الديمقراطي جو بايدن، كما في استطلاع «ريال كلير بوليتيكس» الذي يظهر تفوق بايدن على الرئيس ترامب بأكثر من سبع نقاط على المستوى الوطني في أبرز الولايات المتأرجحة، إلا أن تاريخ الانتخابات الأمريكية يظهر أن النتائج النهائية خالفت في الكثير من الأحيان نتائج استطلاعات الرأي، خصوصاً في ظل نظام انتخابي معقد ومركّب كما في النظام الانتخابي الأمريكي.

تعدّ الانتخابات المقبلة واحدة من أهم الانتخابات الرئاسية الأمريكية على المستوى العالمي، ويمكن القول إن جميع القوى الفاعلة في النظام الدولي، حلفاء واشنطن وأعدائها على حدّ سواء، ينتظرون معرفة من سيقود دفة السياسة الأمريكية الخارجية، نظراً لعدد من التباينات الرئيسية والكبرى بين الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، وأصبح واضحاً من خلال الإعلام الرسمي للدول الكبرى أن تلك الدول لا ترغب برؤية الرئيس ترامب مرة أخرى في البيت الأبيض، فتجربة السنوات الأربع الماضية كانت حافلة بالكثير من المشكلات، التي لا تزال تداعياتها قائمة، كما في النزاع غير المسبوق مع الصين، والخلافات الكبرى بين الولايات المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي.

سياسات بايدن الخارجية المتوقعة، صرح بها جاك سوليفان، وهو مستشار بايدن الحالي للسياسة الخارجية، حيث اعتبر أنها ستكون منطلقة من «أهمية بناء القوة المحلية الأمريكية وشبكتها في الشراكات العالمية في مواجهة المنافسة المتزايدة في الصين وروسيا»، وهذا التصريح ينسجم مع رؤية نخب بارزة في الحزب الديمقراطي، تجد أن الأولوية يجب أن تكون للقضايا الداخلية، خصوصاً بعد تزايد الاضطرابات على خلفية بعض الممارسات العنصرية، بالإضافة إلى أن الخط الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي أصبح وازناً، ويميل إلى دفع سياسات أمريكا نحو مزيد من الإجراءات ذات البعد الاجتماعي، لتجنب موجات جديدة من الاضطرابات الاجتماعية.

أولوية الداخل على الخارج في أجندة المرشح جو بايدن تعني بالنسبة للدول الكبرى انشغال الولايات المتحدة بقضايا الداخل على حساب الصراعات الكبرى، وهو الأمر الذي يعد فرصة مهمة يمكن استثمارها، خصوصاً من قبل الصين وروسيا، بينما يعني استمرار الرئيس ترامب في الحكم استمراراً في سياساته الخارجية، والتي اتسمت بالمواجهة، وفرض الرؤية الأمريكية بشكل حدي، ومن خلال إجراءات عملية، كما في الضرائب التي فرضها على المنتجات الصينية، ومنتجات الصلب والألمنيوم الأوروبية، في سياسة تقوم على المواجهة أولاً، ومن ثم التفاوض، وعدم انتظار نتائج التفاوض، ومن ثم اتخاذ إجراءات عقابية.

الرئيس ترامب، ومن ورائه صقور الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى الشركات الأمريكية المعولمة، العابرة للقارات، خصوصاً العاملة في مجال إنتاج البرمجيات، وتلك العاملة في مجال التجارة الإلكترونية، جميعهم يرون أن الهدف الرئيسي يجب أن يكون الحد من النفوذ الصيني في سوق العمل الدولي، ومنع الصين من اختراق الحلفاء، خصوصاً الحلفاء الأوروبيين، في ظل سعي حثيث لبكين، خلال السنوات الماضية، إلى إقامة شراكات مع بعض الدول الأوروبية، ومنح تسهيلات كبيرة للشركات الأوروبية للعمل داخل الصين.

في الشرق الأوسط، يبدو برنامج ترامب أكثر وضوحاً، في بلورة شرق أوسط جديد، بأقل قدر من النفوذين الإيراني والروسي، بينما تبدو أجندة بايدن غير واضحة، وفيها الكثير من الرؤى التي كان قد صاغها الرئيس الأسبق باراك أوباما، خصوصاً لجهة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، لكن الأشهر القليلة الماضية، شهدت خطوات عملية من قبل إدارة الرئيس ترامب لتثبيت رؤيته للشرق الأوسط الجديد، ما يقلل من إمكانية تغيير هذا التوجه، في حال وصل بايدن إلى البيت الأبيض.

لكن، وبغض النظر عمن سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة، فإن خيارات أمريكا نفسها تبدو محددة بمشكلاتها وتحدياتها الراهنة، وستكون مدفوعة بأزماتها الداخلية، في وضع اقتصادي عالمي تنخفض فيه مؤشرات النمو، وبالتالي فإن إيلاء الاقتصاد الداخلي سيكون مسألة راهنة، لا مفر من مواجهتها، فسوق العمل الأمريكية الداخلية مرتبط أشد الارتباط بمكانة الولايات المتحدة في مجمل المنظومة الدولية، السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، وهو ما يعني بالضرورة أن الخط الذي مضى فيه ترامب نحو المواجهة مع الصين لن يكون الارتداد عنه ممكناً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"