«كورونا» والانتخابات الأمريكية

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

من الصعوبة بمكان الجزم بأن الجائحة سوف تصب في مصلحة بايدن كونها تمنعه من مخالطة الناخبين والقيام بحملات انتخابية

اجتاح فيروس كورونا العالم فبدت دوله غير جاهزة لمواجهته رغم أن الأمر لم يكن غير متوقع، فقد سبق لموجات فيروسية أن ضربت أجزاء من العالم (انفلونزا الخنازير، سارس، ايبولا، الخ.) وقد سبق أن حذر الرئيس أوباما، في أحد خطاباته في العام 2014، من موجة فيروسية خطيرة قد تضرب العالم وطالب بالاستعداد لمكافحتها، كذلك فإن الملياردير الأمريكي بيل غيتس، المتهم بأنه وراء هذه «المؤامرة الكبرى»، قدم في العام 2015 وصفاً شبه مطابق لجائحة كورونا محذراً من أنها قادمة وسوف تفتك بالملايين من البشر.

رغم ذلك تجاهلت الإدارة الأمريكية تحذير السلطات الصحية، في 3/1/2020 بأن ثمة موجة فيروسية انطلقت من مدينة ووهان الصينية وقد تنتشر في الولايات المتحدة. واستمر في هذا التجاهل الذي دفع هذه السلطات للإعلان عن عدد من الإجراءات في نهاية الشهر المذكور. أكثر من ذلك ففي إحدى خطبه وصف ترامب الجائحة بأنها «تضليل اخترعه الديمقراطيون» للطعن بسياساته، ما شجع مناصريه على عدم التقيد بالإرشادات الصحية.

الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الجائحة صعبة ومعقدة وجديدة كل الجدة، فلا سابق لها في تاريخ الولايات المتحدة ولا العالم. وأي إدارة أمريكية أخرى كانت ربما ستقع في الأخطاء نفسها والتي وقعت فيها دول كثيرة أخرى غنية ومتقدمة. خطط كثيرة مكلفة وضعت لمواجهة آثار الجائحة الاقتصادية والاجتماعية. بدأ الأمر بخطة تكلف 2,5 مليار دولار سرعان ما رفعها الكونجرس الى 8,5 مليار قبل أن يتم إبرام «قانون كيرس» مع حزمة تقدر ب2200 مليار دولار. هذا المبلغ الفلكي لم يكن كافياً فكانت خطة لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة بتكلفة تبلغ بين 250 و 375 ملياراً طلب الديمقراطيون في الكونجرس اضافة 100 مليار عليها لمصلحة المستشفيات. هذه المبالغ المصروفة من دون مردود مالي أو اقتصادي مقابل نشرت مخاوف من انكماش اقتصادي مقبل.

ورغم امتلاكه لمروحة واسعة من الصلاحيات لاسيما من خلال إعلانه «الطوارىء الوطنية» في آذار/ مارس الماضي، لا يملك الرئيس الأمريكي كل السلطات في الحياة اليومية التي تتيح له فرض تطبيق القرارات في مختلف الولايات المنقسمة حول كيفية مواجهة الأزمة. هنا نقف أمام مشكلة سياسية كبرى قديمة تتعلق بتوزيع السلطات بين الولايات والحكومة المركزية في الجمهورية الفيدرالية، والتي بدا ترامب عاجزاً عن إدارتها.

وهكذا لعبت الجائحة دوراً كبيراً في تراجع شعبية الرئيس الذي اتفقت استطلاعات الرأي، طيلة أشهر عديدة، على تقدم منافسه الديمقراطي جون بايدن عليه. لقد قلبت الجائحة اللعبة وجعلتها ضحية لتقلبات كبرى على وقع ارتفاع أعداد المصابين والمتوفين والحالة الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام. صحيح أن عوامل أخرى تلعب دوراً في تراجع شعبية الرئيس مثل مقتل جورج فلويد والمظاهرات التي تلته.

لكن في المقابل هل يمكن الجزم بأن الجائحة تصب في مصلحة المرشح الديمقراطي بايدن؟

لقد أبرزت الجائحة التفاوتات الاقتصادية الاجتماعية وهي بنيوية في الولايات المتحدة حيث لا وجود لنظام صحي عام وشامل. فما خلا «ميديكير» الموجه للفقراء وكبار السن هناك شركات التأمين المكلفة، الأمر الذي يحرم الطبقات الدنيا من الحصول على عناية صحية كافية. وجل المنتمين الى هذه الطبقات هم من الأقليات الأفرو-إسبانية والذين يعملون في مهن يصعب فيها التباعد الاجتماعي مثل جمع القمامة والبيع بالمفرق والنقل والشحن والتنظيف وغيرها. هؤلاء يعتبرون أنفسهم من الأكثر تضرراً بسبب ادارة ترامب للجائحة وبالتالي فإنهم لن يتوجهوا بكثافة للتصويت لمصلحته.

على المستوى السياسي من الصعوبة بمكان الجزم بأن الجائحة سوف تصب في مصلحة بايدن كونها تمنعه من مخالطة الناخبين والقيام بحملات انتخابية بحضور جسدي مباشر في طول البلاد وعرضها، الأمر الذي يستغله ترامب الذي لا تتوقف حملاته الدعائية وظهوره في وسائل الإعلام وتغريداته في حملة انتخابية «جائحة» لا تتأثر بكورونا.

هذا الرأي تدعمه استطلاعات الرأي التي كانت تبرز التفوق الكبير لبايدن لكنها بدأت تكشف اليوم عن نسب جد متقاربة بين المرشحين وتمنع المراقبين من الخوض في توقعات واضحة كما فعلوا قبل أشهر، وتدفعهم لانتظار مؤشرات العمالة والنمو وغيرها وربما المناظرات التلفزيونية اذا ما حدثت لأن بايدن يرفضها الى الآن وهذا لا يصب في مصلحته.

مراقبون كثيرون بدأوا بتصور سيناريوهات مثل عدم إعلان النتائج بعد 3/11/2020 بسبب التصويت الإلكتروني أو اتهامات متبادلة بالتزوير أو تقارب عدد الأصوات وإعادة الفرز.. الخ. وقد تمر أشهر طويلة قبل معرفة اسم الرئيس الأمريكي المقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"