مناورات واشنطن وموسكو في سوريا

01:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

هل ينوي الرئيس ترامب مغادرة سوريا جدياً هذه المرة؟ أم أنه يناور مع موسكو إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية؟

كشف سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي بعض الغموض الذي اكتنف زيارته لسوريا في السابع من سبتمبر/ أيلول الجاري ضمن وفد برئاسة يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي مسؤول الملف الاقتصادى بالحكومة الروسية. الوفد برئاسة بوريسوف أعطى انطباعاً بأن المهمة الأساسية لهذا الوفد كانت اقتصادية بالأساس، وتخص بالدرجة الأولى مهام إعادة الإعمار التي ستشارك فيها الحكومة الروسية، كما أن مشاركة لافروف جنباً إلى جنب، وعقده مؤتمراً صحفياً مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري؛ أكد من ناحية أخرى أن الوفد الروسي جاء أيضاً لحسم العديد من الملفات السياسية الروسية وبالذات ملف تفعيل لجنة الدستور السورية، والمستقبل السياسي لسوريا، وملف الإدارة الذاتية الكردية الذي تدعمه موسكو، وتتحفظ عليه دمشق؛ لكن الحديث الذي أجراه لافروف مع وسائل إعلام عربية وتم نشره الاثنين الماضي (2020/9/21) على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية؛ كشف أن زيارة الوفد الروسى لسوريا كان يرمي إلى اهتمام ثالث؛ يتعلق بالتعاون العسكري الروسي مع سوريا؛ لبسط سيطرتها على المنطقتين الساخنتين المتبقيتين خارج هذه السيطرة على نحو تعبير لافروف في هذا الحديث؛ وهما منطقة إدلب التي تخضع لسيطرة ميليشيات «هيئة تحرير الشام»؛ (جبهة النصرة سابقاً) المدعومة من تركيا، وأراضي شرق الفرات الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية؛ (قسد) بدعم من القوات الأمريكية.

لافروف كان حريصاً، على أن يوضح، بعد أسبوعين تقريباً، من عودته من دمشق موقف بلاده الرافض للوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وحرص روسيا على إنهاء هذا الوجود. توصيف لافروف لهذا الوجود كان حاداً، وجدد التساؤل عن نوايا موسكو من هذا الوجود على ضوء المبادرة الأمريكية بالإعلان عن نوايا تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى ما لا يزيد على 2000 جندي فقط، سيكون وجودهم محكوماً بتفاهمات واشنطن مع بغداد، ومخرجات جولة الحوار الاستراتيجي الأخيرة التي جرت بين البلدين على هامش زيارة مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة العراقية للعاصمة الأمريكية فى أغسطس/ آب الفائت. كما وصف الوجود العسكري الأمريكى في سوريا بأنه «وجود غير شرعي»؛ حيث إن القوات الأمريكية دخلت إلى سوريا، قادمة من العراق، ضمن قوات التحالف الدولي؛ لمطاردة ميليشيات تنظيم «داعش» الإرهابي، واستقرت في سوريا من دون إذن من السلطات السورية.

وزاد لافروف على تأكيده «عدم شرعية» الوجود العسكري الأمريكي بأن «العسكريين الأمريكيين استقدموا إلى المنطقة شركات نفطية أمريكية، وبدأوا بضخ النفط لأغراضهم الخاصة بهم، من دون احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وهو ما ينص عليه القرار (2254) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

حديث لافروف دعّم توقعات ترى أن روسيا لن تفوت الأزمة الانتخابية الرئاسية للرئيس دونالد ترامب أمام منافسه الديمقراطي جون بايدن؛ لممارسة ضغوط عسكرية ضد القوات الأمريكية المتمركزة شرقي الفرات، لإجبارها على الرحيل عن سوريا.

هذا الاعتقاد يأتي بدعم من مشاركة وفد عسكري روسي كبير ضمن الوفد الذي كان قد وصل قبل يوم واحد من وصول الوفد المذكور، وتوجه الوفد العسكرى مباشرة إلى «قاعدة حميميم» قرب مدينة اللاذقية، وانضمامه في اليوم التالي إلى الوفد السياسي - الاقتصادي فى دمشق.

وصول الوفد العسكرى جاء على خلفية تصعيد للعسكريين الأمريكيين في منطقة شرق الفرات كان في مقدمتها الاتفاق الذي عقدته الإدارة الأمريكية بين شركة «دلتا كريسنت إنريجى» الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهو ما أثار ردود فعل غاضبة فى دمشق وموسكو وأنقرة وطهران، تلتها نشوء بوادر لمقاومة شعبية ضد القوات الأمريكية والميليشيات الكردية الحليفة، على خلفية تورط ميليشيات «قسد» فى اغتيال عدد من أبرز زعماء القبائل العربية الرافضين لمشروع الإدارة الذاتية الكردي؛ لكونه يعد مشروعاً انفصالياً عن الدولة السورية، والرافضين للوجود العسكري الأمريكي؛ حيث دعا شيخ عشيرة «البكارة» نواف البشير فى 10 أغسطس/ آب الفائت الحكومة السورية إلى «دعم مقاومة مسلحة ضد ميليشيات (قسد) والقوات الأمريكية شرق الفرات؛ بالاعتماد على أبناء القبائل في المنطقة».

في ظل ظروف هذا التصعيد وقع للمرة الأولى صدام مباشر بين القوات الروسية والقوات الأمريكية وبين القوات الأمريكية وقوات الجيش السوري، تلاه دفع واشنطن بقوات ومعدات عسكرية متطورة شملت مركبات «برادلي» القتالية ورادار «سنتينيل» وقوات برية؛ بهدف «ضمان سلامة وأمن قوات التحالف» حسب إعلان القيادة المركزية الأمريكية «سينتكوم».

هناك مؤشرات تؤكد أن موسكو باتت مهتمة بأمر إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. وهنا بالتحديد نسأل: هل أدركت الإدارة الأمريكية جدية هذه القناعة الروسية، وفضلت التهدئة؛ لتفويت الفرصة على موسكو لتصعيد مواجهة عسكرية ضد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة شرق الفرات السورية لعدم تعكير أجواء الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس دونالد ترامب؟

فقبل يومين فقط من الحديث التلفزيوني المشار إليه لوزير الخارجية الروسي، فاجأ الرئيس الأمريكي المراقبين بالإعلان خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة الفائت، أن الولايات المتحدة تبحث موضوع الحقول النفطية بشرق سوريا مع الأكراد. وقال: «لقد تمكنت من المحافظة على النفط.. ولدينا قوات تقوم بحراسة النفط، وإضافة إلى ذلك نحن خارج سوريا»، وزاد على ذلك قوله: «من الممكن أن نجري مناقشات مع الأكراد حول النفط، وسنرى كيف سينتهى ذلك، ثم نغادر».

هل ينوي الرئيس ترامب مغادرة سوريا جدياً هذه المرة؟ أم أنه يناور مع موسكو إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية وبعدها يكون لكل حادث حديث؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"