الحل السوري.. بين موسكو وواشنطن

04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

روسيا تضع سيناريو انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في أجندة تفاوضها مع واشنطن والغرب

بدأت مفاعيل قانون «قيصر» الأمريكي بالظهور بشكل مباشر في الحياة المعيشية اليومية للسوريين، فأزمة المحروقات في ازدياد، وهي تطال كل ما يتعلق بها من قضايا أخرى، مثل المصانع والنقل وأسعار البضائع والخبز، في الوقت الذي تراجع فيه متوسط دخل الموظف في القطاع العام إلى نحو 20 دولاراً أمريكياً، نتيجة تراجع قيمة العملة الوطنية، وعدم وجود احتياطي نقدي يسمح بزيادة الرواتب للموظفين بما يتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع الإنتاج المحلي، وضعف القطاع الخاص، وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد حذّر في يونيو/ حزيران الماضي من كارثة غذائية في سوريا، وأشار إلى أن أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

وعلى الرغم من التمسك الشكلي بالحل السياسي في سوريا من قبل الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، فإن هذا الحل معطل فعلياً منذ بيان جنيف1 في 30 حزيران/ يونيو من العام 2012، ولم تحرز الجولات العديدة من المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في جنيف أية نتائج ملموسة، ولم تكن جولات أستانة بأفضل حالاً من حيث النتائج، وكذلك الأمر بما يتعلق بقرار الأمم المتحدة 2254، الصادر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، كما أن مسار اللجنة الدستورية الذي تشرف عليه الأمم المتحدة يبدو متعثّراً، خصوصاً أنه غير خاضع لمدة زمنية محددة، بالإضافة إلى أن الخلاف حول أجندة اللجنة لا يزال قائماً.

موقف روسيا من الحل السياسي ينطلق مما أحرزه وجودها العسكري على الأرض السورية، وتركز في حواراتها مع الولايات المتحدة والغرب على أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة هي العنوان الرئيسي للحل السياسي، وفق دستور عام 2012، وهذا يعني بالضرورة أن موسكو على قناعة تامة بأن اللجنة الدستورية سيكون مصيرها الفشل، خصوصاً أن التوصل إلى دستور جديد سيحتاج إلى آليات سياسية وقانونية من أجل إقراره، وبالتالي وجود مناخ سياسي يسمح باللجوء إلى تلك الآليات، وهو الأمر الذي لا يمكن تأمينه حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمحدد بين 16 إبريل/ نيسان و16 مايو/ أيار من العام المقبل.

تعوّل روسيا على العطالة التي ستحدث في السياسات الخارجية للولايات المتحدة نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالتالي جعل تصورها حول الحل السياسي هو التصور الممكن الوحيد من الناحية العملية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تتخذه الإدارة الأمريكية الجديدة من قرارات حول انسحاب القوات الأمريكية من شرق الفرات، وهو ما كاد أن يحدث سابقاً، بعد تصريح الرئيس ترامب عن سحب قواته من سوريا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وعودته بعد ذلك عن قرار الانسحاب، وبالتالي فإن روسيا تضع سيناريو انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في أجندة تفاوضها مع واشنطن والغرب.

أما الرؤية الأمريكية فهي مؤسسة على تحويل الانتصار الروسي العسكري في سوريا إلى فشل في إعادة إنتاج الدولة والاقتصاد في سوريا، خصوصاً أن قانون «قيصر» لا يحاصر فقط أشخاصاً وكيانات في سوريا، وإنما يحاصر ويطال الأشخاص والكيانات الذين يمكن أن يساعدوا الحكومة السورية على الالتفاف على العقوبات، كما أن استثناء القانون للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا من العقوبات، لا يبيح للإدارة تصدير النفط للحكومة السورية، وهو ما يعني فعلياً حدوث أزمة محروقات كبيرة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية.

ضغطت واشنطن على جميع حلفائها من أجل وقف أي تعاون مع موسكو والحكومة السورية يرتبط بملف إعادة الإعمار، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه كل من ألمانيا وفرنسا، اللتين تقودان الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أنه لا توجد أي مشاريع أو أموال سائلة يمكن أن تتوجه نحو إعادة إعمار سوريا قبل حصول حل سياسي، يتوافق مع الرؤية الأمريكية/ الأوروبية، بحيث يتضمن عدداً من الملفات الرئيسية، خصوصاً في إعادة هيكلة طبيعة النظام السياسي نفسه.

من الناحية العملية، لا توجد مؤشرات واضحة حول حدوث تقارب بين الرؤيتين الأمريكية والروسية للحل السياسي في سوريا، فأولويات وأدوات الطرفين مختلفة، ما يعني أن وقت تقديم التنازلات ما زال بعيداً، لكن خلال ذلك، فإن سوريا والسوريين سيدفعون أثماناً جديدة للاستعصاء، لا تقلّ كارثية عما دفعوه في السنوات السابقة، خصوصاً أن هذا الاستعصاء لم يعد مسألة سورية، وإنما دولية بامتياز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"