التناغم مع الطبيعة

02:44 صباحا
قراءة دقيقتين

نورة صابر المزروعي

يزخر فن النحت في الحضارات القديمة بمشاهد تتعلق بصيد الحيوانات، حيث تعد من الرياضات التي مارستها الشعوب القديمة. أطرح هنا سؤالاً، هل هناك حقاً رياضات وجدت تحمل في طياتها القتل؟، هل خلق الله الحيوانات لنقتلها؟، هل الحيوانات شيء تافه أم أنها تستحق العيش مثلنا. إن رياضة الصيد بهدف التسلية والمتعة تمثل ممارسة اجرامية بحق الحيوان وبتر عنصر من جمال الطبيعة، وصيدها بهدف إقامة تجارب علمية يؤدي إلى انفصال علاقة الانسان بالطبيعة.

تعتبر شعوب شرق آسيا من أكثر الشعوب تقديراً واحتراماً لعالم الحيوان، يرجع ذلك إلى المعتقدات البوذية التي لها فلسفة خاصة تجاه الحيوان. أحد أهم تلك المعتقدات أن بوذا يتجلى بهيئات عديدة قد تكون على هيئة حيوان أو نبات، لهذا نلاحظ تلك المبالغة في التعامل مع الطبيعة في ثقافة تلك الشعوب.

يذكر التاريخ أن أحد الأباطرة اليابانيين أصدر مرسوماً ملكياً يمنع قتل الحيوانات براً وبحراً وجواً، و التزمت اليابان بدفع أموال تعويضية لصائدي الأسماك عن قرار منع الصيد. بشكل عام وضعت قوانين وتعليمات صارمة ضد التعدى على الحيوانات أو سوء معاملتها. ومع مرور الوقت، انمحت من أذهان الشعب ممارسة رياضة صيد الحيوانات، ولكن خرج الأمر عن المألوف عندما طلب قنصل أمريكي في القرن الثامن عشر وجبة عشاء مكونة من قطعة لحم بقري على الرغم من إخفاء المزارعين أبقارهم، إلا أن القنصل تمكن من شراء بقرة وذبحها ومن شدة عنايتهم بالحيوانات اعتبر هذا الأمر حدثاً استثنائياً واعتبرت تلك البقرة من بين شهداء الوطن، ومن الجدير بالذكر أنه عندما تموت حيوانات المعابد البوذية تدفن بمراسم تشابه تشييع البشر.

يعتقد الفلاسفة الهنود بأن للكائنات الحيوانية حياة خالدة كالبشر. ومن أشهر الشخصيات التاريخية التي امتنعت عن أكل اللحوم الفيلسوف فيثاغورث وأفلاطون وحجتهما أن اللحوم تعيق اكتشاف الجانب الباطني للوعي البشري بما يشمله من قدرات عقلية وروحية كامنة.

كان هناك تعظيم وتقديس لكافة المخلوقات في الطبيعة، ففي روسيا مثلا، امتنع الكهنة عن أذى الحيوانات أو النباتات وعاشوا في تناغم تام مع الطبيعة، وظهرت شخصية تدعى «أناستازيا» غيرت فلسفة الروس باتجاه الحياة، ولدت عام 1969 في الغابة السيبرية، ودٌونت تفاصيل حياتها في مجموعة كتب لفلاديمير ميجري الذي رصد علاقتها بالحيوانات والحب المتبادل بينها وبين الدببة والقطط والسناجب والطيور... إلخ. ونتيجة لقراءة هذه المجموعة، استنهض الجانب الباطني الخفى لدى الروس وفتح الباب أمامهم على مواهب كامنة في الرسم وكتابة الشعر والتأليف الموسيقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"