التصعيد الأمريكي ضد إيران.. جعجعة أم طحين؟

03:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: بنيمين زرزور

في أحدث تطورات التصعيد الأمريكي ضد إيران فرضت واشنطن عقوبات على أكثر من 24 شخصية وكياناً متهمين بالمشاركة في البرامج النووية والصاروخية الإيرانية. وتمثل هذ الخطوة تحركاً منفرداً آخر من الجانب الأمريكي على الرغم من قول واشنطن إنها تعزز عقوبات الأمم المتحدة على طهران، والتي تعمل على تجديدها على الرغم من اعتراض كل من الحلفاء والخصوم؛ لكن إلى أين سينتهي هذا التصعيد مع وصول حاملة طائرات أمريكية إلى الخليج؟
اتهم مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه، إيران بأنها قد تملك ما يكفي من المواد الانشطارية؛ لصنع قنبلة نووية بحلول نهاية العام الجاري، وأنها استأنفت التعاون في مجال الصواريخ طويلة المدى مع كوريا الشمالية التي تملك أسلحة نووية.
وتقول إدارة ترامب: إن العقوبات على إيران يعاد فرضها، بموجب آلية يتضمنها الاتفاق بشأن برنامجها النووي، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018؛ لكن بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي شاركت في التوقيع على الاتفاق عام 2015، تقول: إن الولايات المتحدة لا تملك الحق القانوني في تنفيذ مثل هذه الخطوة.


لماذا إيران؟


معلوم أن العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران تعود لأيام الثمانينات؛ حيث احتجزت عناصر من الحرس الثوري الإيراني دبلوماسيين في السفارة الأمريكية في طهران. وقد باءت محاولة إنقاذهم في عهد الرئيس جيمي كارتر بالفشل؛ لكنّ الإيرانيين اتخذوا موقفاً متشدداً من الولايات المتحدة التي أطلقوا عليها اسم «الشيطان الأكبر»، واتخذوا من إعلان عدائهم لها ذريعة لحشد مؤيدين لاستراتيجية توسع شملت عدداً من دول المنطقة بدءاً من لبنان وانتهاء بالعراق.
وتقتضي حرب المصالح إخلاء الميدان من المنافسين. ولعل هذا ما تسعى واشنطن لتحقيقه؛ من أجل ضمان تدفق نفط المنطقة بسلاسة واستمرار هيمنتها. وقد دأبت طهران خلال سنوات المواجهة على تطوير برنامج تسليح تقليدي وغير تقليدي، صار فيما بعد ذريعة لدول الغرب تقودها الولايات المتحدة؛ للضغط على طهران في محاولة؛ للحد من نفوذها.
وتصاعدت حدة الخلافات بين طهران وواشنطن؛ بعد الإعلان الأمريكي الأحادي الجانب عن الانسحاب من الاتفاقية النووية، الأمر الذ ي عرضها للانهيار. فقد أعقب ترامب الانسحاب بفرض عقوبات اقتصادية على إيران في محاولة لدفعها للتفاوض على اتفاقية جديدة تحد نهائياً من طموحها النووي وتطويرها صواريخ باليستية.
لكن إيران رفضت إعادة التفاوض، واتخذت إجراءات للتصعيد في مواجهة العقوبات الأمريكية؛ حيث تراجعت عن عدد من التزاماتها الرئيسية في الاتفاقية، خاصة ما يتعلق باليورانيوم المخصب الذي يمكن استخدامه في صناعة أسلحة نووية.


خلافات الحلفاء


تسببت الخطوة الأمريكية في إنهاء الاتفاق النووي مع إيران، في شق صفوف دول الغرب الموقعة على اتفاق 2015، ومن المرجح أن يتعمق الخلاف في حال فوز دونالد ترامب في انتخابات هذا العام.
فقد اعتبر الأوروبيون الخطوة الأمريكية الخاصة بإعادة فرض عقوبات أممية على إيران خطوة غير مهمة من الناحية القانونية في بداية الأمر. وفي حال تلاقي مواقف الأوروبيين مع موقف موسكو وبكين، فنحن أما مشكلة تواجه منظمة الأمم المتحدة؛ ذلك أنه في حال تقدم وزير الخارجية الأمريكي بشكوى ضد إيران، سيكون أمام الدول الأخرى في مجلس الأمن 30 يوماً؛ لتبني قرار لتجنب العودة للعقوبات. وتأتي خطوة إدارة ترامب بعد أسبوع من رفض المجلس محاولة تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران إلى أجل غير مسمى والذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر/ تشرين أول.
والغريب في هذه المرة تشبث دول القارة العجوز بموقفها. وعلى الرغم من أن موقف الثلاثي الذي يضم باريس وبرلين ولندن مفهوم نسبياً لجهة الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني على أمنها، فإن العناد البريطاني غير مفهوم هذه المرة؛ حيث اعتاد العالم على ربط المواقف السياسية لكل من لندن وواشنطن عندما يعلو غبار الحرب.
واتهم جورج بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الدول الأوروبية بأنها لا تحرك ساكناً في الملف الإيراني، مؤكداً استعداد واشنطن لخوض المعركة وحدها حتى النهاية.
ويأمل الإيرانيون في تحقيق اختراق ما؛ من خلال الرهان على هذا الشرخ، وعلى الموقفين الروسي والصيني. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة: «نتوقع من المجتمع الدولي وجميع دول العالم الوقوف ضد هذه التحرّكات المتهورة من قبل النظام في البيت الأبيض والتحدّث بصوت واحد».


لعبة الانتخابات


وفي عام انتخابي لا يستبعد المحللون لجوء ترامب لعمل عسكري محدود ضد إيران في حال استمرت استطلاعات الرأي على مسارها الحالي لمصلحة خصمه في الانتخابات جو بايدن؛ بحيث يضمن التفاف الأمريكيين حوله في المواجهة؛ ليستثمرها في الانتخابات؛ لكن مثل هذا الرهان، وإن كانت مضمونة بدايته، فإن نهايته ليست في يد ترامب.
لكن المرجح أن ترامب الذي يتواصل مع الإيرانيين عبر قنوات سرية، لا يرغب في المواجهة بدليل أن تغريداته، وما أكثرها؛ تؤكد رغبته في إجراء مفاوضات مباشرة مع طهران، تضاف إلى ما يجري عبر تلك القنوات غير المعلنة.
وقال ترامب أخيراً إنه سمح للسيناتور الجمهوري راند بول بالتفاوض مع إيران، وأبدى استعداده لتكليف وسطاء آخرين بالاتصال بالمسؤولين الإيرانيين، حتى أنه أعلن قبل أيام أنه سيدخل المفاوضات المباشرة مع طهران بعد أسبوعين من فوزه بالانتخابات، ومثل هذه الاستدارة من الهجوم العنيف إلى التفاوض المباشر، لا تتم من دون تحضيرات مسبقة من تحت الطاولة.
والحقيقة أن المواجهة بين طهران وواشنطن يمكن وصفها بأنها متعددة الوجوه؛ حيث إن الأمريكيين يعلنون عن عدائهم للأنشطة الإيرانية ويبدون استعدادهم للتعاون معها في منطقة معقدة تتم فيها التحالفات والخصومات وفقاً لخطوط بيانية معقدة. ولم يسبق أن تطورت إلى حد الاحتكاك العسكري إلا نادراً أو عن طريق الحروب بالوكالة. وبات واضحاً أن تهديدات الرئيس دونالد ترامب التي بدأ يطلقها منذ دخوله البيت الأبيض حتى اليوم، لم ينفذ منها سوى القليل. ويدرك متابعوه أن استراتيجيته في العلاقات الخارجية قامت على طلب المزيد؛ للحصول على القليل، في الضغوط التي مارسها على الصين وعلى كوريا الشمالية وإيران وحتى ضد حلفائه في حلف شمال الأطلسي وفي الدول الأوروبية، وسط الخلافات المالية والاقتصادية. وربما يتطلب التصعيد حشد البوارج والأساطيل وحاملات الطائرات كما جرى في بحر الصين الجنوبي ويجري في الخليج العربي اليوم، إلى أن تتغير المواقف السياسية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"